د. ناهد الديب تكتب: متلازمة السوشيال ميديا.. «Social Media Syndrome»
كنتُ أجلس في انتظار الطائرة.. وفي الجهة المقابلة يجلس شابٌ في مقتبل العمر، فجأةً تعالى صوت ضحكته بشكلٍ هستيري، ثم شبَّ وقفز، ثم دار ورقص، ثم هدأ وجلس، ثم صرخ بصوتٍ عالٍ وعيناه تتأملان الهاتف: معقول!.. أنا لا أصدق!..
كل هذا وأنا أراقبه في عجب..
قلتُ في نفسي لعل خبراً عظيماً أسعده كل هذه السعادة!
وفجأة وجدته يلتفت للشاب الذي بجواره قائلاً: أنا لا أصدق لقد وصل عدد الذين أعجبوا بمنشوري الأخير على صفحتي بالفيسبوك إلى خمسمائة.. يا الله !!.. كم أنا سعيد.. كم أنا محظوظ!.
فقام الشاب الآخر وعانقه بحرارة وأخذ يهنئه بكل سعادة!!
حين شاهدت هذين الشابين، وردت إلى ذهني صورة ابن الجيران الذي ترك خطيبته بعد قصة حبٍ عنيفة وحين سألوه عن السبب قال لهم إنها لا تُعير منشوراته أي اهتمام، أو تعمل “لايك” لأي منشور له على صفحته بالفيسبوك أو تعمل ريتويت على تويتاته!، كما أنها تتجاهل التعليق على أي صورة يقوم بنشرها على انستجرام، ولا تتفاعل معه على سناب شات.. فكيف تستحق هذه الفتاة -في وجهة نظره-أن يربط حياته بها أو أن يكمل معها مسيرة حياته!.
عجباً .. ترك خطيبته التي تتمتع بكل صفات الفتاة الحميدة من أجل هذا السبب!!
ألا رحم الله الشاعر يزيد بن سلمة “ابن الطثرية” الذي قال:
بنفسي مَن لو مرَّ بَرْدُ بنانِه
على كبدي كانت شفاءً أنامِلُهْ
ومن هابني في كل شيءٍ وهبته
فلا هو يعطيني ولا أنا سائِلُهْ
ذكَّرتني تلك القصة أيضاً بفتاةٍ اتصلت عليَّ والدتها المريضة بارتفاع ضغط الدم وأخبرتني أنها على وشك الإصابة بجلطة نتيجة تصرفات ابنتها التي تتحداهم جميعا وتصر على الزواج من شاب لا يناسبها مطلقاً، وتتوسل إليَّ أن أتحدث إلى ابنتها التي تُكِنُ لي كل احترام لعلها تستجيب لي..
طلبت مقابلة الفتاة وتلطفت معها بالحديث ثم سألتها عن سبب إصرارها على قبول ذلك الشاب فإذا بها تقول لي: إن مقاييس اختيار الزوج تغيرت ولم تعد مثل مقاييس أمها وأبيها، وأنه يجب على أهلها أن يتفهموا ذلك، وأنه من الظلم تطبيق المعايير نفسها في الاختيار رغم اختلاف الأزمنة والأجيال.
قلت لها نعم صدقتِ لكن هناك دائماً ثوابت في الاختيار مثل الدين والأخلاق وتكافؤ الطرفين، فإذا بالفتاة تقاطعني وتقول ماذا تقصدين بالتكافؤ يا دكتورة؟
قلت لها أنتِ فتاة جامعية وهو لم يكمل تعليمه، والدكِ طبيب معروف، وهذا الشاب يعمل في مهنة لا تليق بكم!
فإذا بها تفاجئني بسؤال: ما رأيك إذن يا دكتورة بأن هذا الشاب أكثر شهرة من أبي.. وأني إذا تزوجته سأصبح زوجة رجل مشهور ..
تمالكت أعصابي وقلت لها في هدوء: إن أكثر ما أعرف أن هذا الشاب مشهور به هو أنه أكثر الحلاقين الذين يحلقون رأس الزبائن على “الزيرو” أي لا يتركون في رأسهم شعرةً واحدة!!
فقالت الفتاة: لكن يا دكتورة لو دخلتِ صفحته على فيسبوك ستذهلين من عدد اللايك والكومنت على صفحته.. ولو دخلتِ إنستجرام ستذهلين من عدد الفُلْوَرْز (المتابعين) عنده.. فعنده متابعين بالآلاف.. وأنا بالنسبة لي حلم من أحلامي أن شاب مثله تقدم لخطبتي واختارني عن كل الفتيات اللاتي يتسابقن ليل نهار للارتباط به.
للأسف هذه نماذج قليلة من طريقة تفكير أصابت الكثيرين من شباب وفتيات هذا الجيل الذي أصبح مريضاً بمرض يمكن أن نسميه «متلازمة السوشيال ميديا» «Social Media Syndrome»..
وكلمة متلازمة Syndrome تعني في الطب مجموعة من الأعراض والعلامات المتزامنة ذات المصدر الواحد وهي مشتقة من الكلمة اليونانية Sundromos وتعني “التزامن”
وللأسف نجد الكثيرين من شباب وفتيات هذا الجيل مصابين بعدة أعراض نشأت نتيجة تأثرهم الكبير بوسائل التواصل الاجتماعي حولهم لدرجة مخيفة بالفعل، حتى وصل بهم الأمر إلى أن معدل الثقة بالنفس أصبح يزداد وينقص تبعاً لمعدل عدد الإعجابات التي يحصون عليها!! أو عدد المشاهدات التي تحظى بها فيديوهاتهم التي ينشرونها!
وأصبح التهافت لمصادقة شخص ما مرهونا بمدى شهرة هذا الشخص على صفحات التواصل الاجتماعي..
ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
الخطب جلل والأعراض تزداد تفشياً بين أبناء الجيل.. فمتى ينتبه الآباء والأمهات قبل فوات الأوان!!.