د. نصر فحجان يكتب: فمنهم من قضى نحبه

يقول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا) الأحزاب
المشهور عند الناس أنّ المُراد بقوله تعالى: (فمنهم من قضى نحبه) أيْ أنه مات أو استُشهد أو قُتِل، ونجدهم عندما ينشرون في الصحف، أوفي بيانات نعي الأموات والشهداء يبدؤون بقول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا) في إشارة إلى الموت أو الوفاة، والحقيقة أنّ معنى الآية على غير ذلك.
النَّحْب: النَّحْب هو العهد، والوعد، والنذر.
نقول: قضى الرجل نَحْبه، أي قضى عهده أو نذره، أو وعده، ونقول: تناحَب الجيشان للقتال، أي تواعد الجيشان للقتال، والعرب لا تقول عن الرجل الميت أنه قضى نحبه إلا إذا كان قضى وعدًا أو عهدًا أو نذرًا.
ويؤكد هذا المعنى أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سَرَّه أنْ ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة) السلسلة الصحيحة للألباني 125، وهو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وفي هذا الحديث لم يكن طلحة رضي الله عنه قد مات، أو استُشهد، لكنه كان قد قضى عهده ووَفَّى بِنَذْره وعزمه على أنْ يقاتل في سبيل الله تعالى صابرًا محتسبًا، فإنه بذل نفسه في سبيل الله، وخاطر بها، حتى لم يبق بينه وبين الهلاك شيء، وهو بذلك قد قضى عهده ولم يُقَصِّر.
وقد صَحَّ عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى طلحة فقال: (هذا ممن قضى نحبه) صحيح ابن ماجة – الألباني 103