الجمعة يوليو 5, 2024
مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: الأحزاب الإسلامية.. والأخوة «كرامازوف»

بداية أود التأكيد على نقطة محددة وهي أنني لست عضوا في أي حزب ديني بل ولم أكن يوما كذلك، هذا لا من باب التفاخر أو الخوف بل من باب إقرار الواقع، بل إن لي رأياً في مستقبل هذه الحركات قد لا تستسيغه، لكني عند التمعن في مواقف الأنظمة السياسية العربية وبعض القوى السياسية العربية من الأحزاب السياسية الدينية العربية أسجل الملاحظات التالية:

1- وجود الأحزاب الدينية: عند تتبعي للأحزاب الدينية غير الإسلامية، وجدت -في أيامنا هذه- أن هناك أكثر من 160 حزبا في العالم وخاصة في أوروبا وتحديدا في ألمانيا مركز الثقل الحالي في الاتحاد الأوروبي يحمل اسم «الحزب المسيحي الديمقراطي» أو يتبنى مضمون هذا التيار تحت أسماء مختلفة لكنه يعلن في ميثاقه أنه يتبنى القيم المسيحية والديمقراطية، فإذا انتقلنا إلى الهند (الدولة الثانية في العالم في عدد السكان فان الحزب الحاكم فيها هو حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي المتزمت دينيا، وإذا انتقلنا إلى الصين فإن الصين-أكبر الدول في العالم سكانيا- وبقرار من الدولة عادت لتنهل من نبع الكونفوشية بل وتتزايد مراكز الكنفوشية في دول العالم بدعم حكومي صيني يخضع لحزب شيوعي، وإذا طفنا في أمريكا اللاتينية سنجد الظاهرة ذاتها، ولو نظرنا إلى الكيان الصهيوني، فمن يحكم فيه هي أحزاب ذات خلفية دينية مفرطة في هوسها الديني، ولو اتجهنا صوب روسيا سنجد ان منظرها الأول بلا منازع الكسندر دوغين ينادي وبلا كلل أو مواربة بالعودة للقيم الأرثوذكسية ويشاركه فلاديمير بوتين هذه القناعة، ذلك يعني أن وجود الأحزاب الدينية هو تعبير عن الإرث الثقافي لهذه المجتمعات، فلا أحد يستطيع أن يلقي بالتاريخ الثقافي من النافذة. وهذا يعني ضرورة النظر إلى الأحزاب الدينية أنها ظاهرة طبيعية في كل دول العالم، مما يجعل الاعتراف بحقها في الوجود أمرا لا يجوز التطاول عليه.

2- قد أتفهم موقف العلماني المعترض على الأحزاب الدينية، وأتفهم موقف الأديان المعترضة على العلمانية، أو القومي المعترض على العولمة.. أو الليبرالية…الخ، إلا أن الواقع يشير إلى أن الأنظمة العربية بخاصة الملكية منها أو المحافظة، لا تتبنى: الليبرالية (بدليل ترتيبها المتخلف في مؤشرات الديمقراطية والحريات وتداول السلطة.. الخ)، ولا تقبل الاشتراكية، ولا هي قومية بالمعنى الفكري للقومية، ولا تقبل الأحزاب الدينية، فكيف لأنظمة لا تتبنى أية أيديولوجية مما عرفه الفكر البشري قديما وحديثا أن «تعترض» على أية أيديولوجية مهما كانت؟ إنها أنظمة «الكرسوية السياسية» (political chairology)، فهي لا تنتمي لأية أيديولوجية دينية أو علمانية أو قومية أو ليبرالية أو اشتراكية أو شيوعية أو فاشية.. وهذه الأنظمة تسمح للأحزاب الصغيرة بالظهور والاعتراف بها، فإذا اتسعت قاعدة هذه الأحزاب توجست الأنظمة منها خيفة، وهنا تستشعر الخطر على الكرسي، فتطل علينا الأيديولوجية «الكرسوية»، وحيث أن الأحزاب الإسلامية هي ذات القاعدة الأكبر شعبيا، فأنها تواجه ما تواجهه اليوم.

3- توظيف الإسلاميين من قبل الأنظمة: لو عدنا للتاريخ المعاصر سنجد أن الدول التي تطارد الإسلاميين الآن هي في معظمها الدول التي كانت حليفة لها بالأمس القريب، ففي الفترة الناصرية كان «الكرسويون» هم حلفاء الحركات الإسلامية، وفي مرحلة الاضطرابات بين 2010 الى 2020 تجدد هذا التحالف، وها هي أهم حركة إسلامية تقاوم الكيان الصهيوني في غزة ولا تجد من حلفائها التقليديين أي مساندة بل ينفث إعلام الحلفاء القدماء سمه ضدهم مستعينا بتراث عربي يفيض بأدبيات المديح والهجاء الكاذب في الحالتين، وكل ذلك يستوجب من الإسلاميين معرفة قواعد التحالف الاستراتيجي وعدم جعل ممارسة الطقوس هي قاعدة بناء التحالف الاستراتيجي.

 

4- نقد الحركات الإسلامية: إن نقد الحركات الإسلامية شيء، ومنعها من التطور والتواجد شيء آخر، فمن الضروري أن يساهم الفكر السياسي في نقد الحركات الدينية ولكن من منطلق إثراء الفكر لا من منطلق «الأخوة كرامازوف»، ويجب أن تنمي الحركات الإسلامية النقد الذاتي، وهو أمر لا يعيبها بل يجعلها أكثر متانة وإدراكا، والبعض يتهم الحركات الإسلامية بأنها «صنيعة» الاستعمار، فإذا كان التاريخ مليء بالمؤامرات، فإن التاريخ نفسه ليس مؤامرة كما قال «هيغل»، فهذه الحركات مهما استغلها أو حرفها الآخرون هي تعبير عن وجدان تاريخي مستقر مستدام.

أخيرا، إذا كان من الضروري احترام تراثنا كما تحترم الشعوب كلها تراثها، فإن سطوة الماضي يجب أن تنزاح في حدود مساحة يستقر فيها الحاضر ويلوح فيها بيرق المستقبل، أما التغيير من منطلق «الكرسوية» فلن يأتي إلا بمزيد من الخراب مهما تدثر أصحابه بالعقلانية الموهومة.

Please follow and like us:
د. وليد عبد الحي
أستاذ علوم سياسية، الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب