الخميس يوليو 4, 2024
مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: التلفيق الإعلامي الإسرائيلي لقضية السود في الكيان الصهيوني

ككل مجتمعات الاستعمار الاستيطاني، تتباين الثقافات الفرعية لمكونات هذه المجتمعات  القهرية، وهو الحال ذاته في إسرائيل، ولن أتوقف عند الثقافات الفرعية كلها (عرب – يهود – سفارديم – اشكناز – حريديم – روس – ألمان و…الخ) بل سأتوقف عند مجتمع السود في إسرائيل، والذي كانوا موضع عناية وسائل الإعلام الدولية في الأيام الأخيرة بسبب المظاهرات والاصطدام مع الشرطة ووقوع إصابات تفوق المعدل المعتاد في مظاهرات إسرائيل.

تتضارب أعداد السود في إسرائيل بشكل كبير، لكن الرقم الأقرب إلى التداول هو ما بين  200 إلى 220 ألف أسود، وهم  يتوزعون على 3 مجموعات هي:

أ‌- العبرانيون السود: وهم اليهود السود الذين جاءوا من الولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي في معظمهم ويقدر عددهم بحوالي 25 ألف نسمة.

ب‌- اليهود الأفارقة وأغلبهم من إثيوبيا، وهم الذين جاءوا في فترة الثمانينات بتسهيلات ساهم فيها الرئيس السودان الأسبق جعفر نميري، وعددهم  يقارب 155 ألف نسمة.

ت‌- اللاجئون الأفارقة السود: وهم ليسوا يهودا، وأغلبهم من طالبي اللجوء أو الباحثين عن العمل، وأغلبهم من اريتريا ومن جنوب السودان، وقد عبر اغلبهم من إفريقيا إلى فلسطين المحتلة عبر صحراء سيناء خلال فترة 2012-2014، أثناء الاضطرابات في مصر، وساعدهم بدو سيناء في العبور، ثم تقلص عبورهم بعد أن أكملت  مصر وإسرائيل  بناء حاجز طوله 230 كم عام 2015 على الخط الفاصل بين سيناء وفلسطين المحتلة. ويبلغ عددهم ما بين 30-40 ألف ويقيم اغلبهم في تل أبيب وميناء إيلات.

العلاقة بين اليهودي الأبيض واليهودي الأسود:

حاولت الرواية الإسرائيلية أن تقدم المظاهرات الأخيرة لليهود الارتريين  على أنها صراع بين أنصار الرئيس الإرتري الساسي أفورقي (يحكم منذ 1993) (وهم أصحاب الراية الحمراء) وبين معارضيه (أصحاب الراية الزرقاء)، وعندما تدخلت الشرطة الإسرائيلية اصطدم المتظاهرون معها.

هذه الرواية التي تنطوي على محاولة إبعاد «التمييز العنصري» عن «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، وأن الأمر ليس إلا صراعا بين الارتريين، لا تستقيم وسجل العلاقة بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والسود على اختلاف منابتهم وأصولهم في إسرائيل، ويكفي التذكير بما يلي:

أ‌- تشكيك الدوائر الدينية اليهودية في يهودية العبرانيين السود القادمين من أمريكا في الستينات.

ب‌- رفض تبرعات الدم التي قدمها اليهود السود بخاصة الإثيوبيين لبنوك الدم الإسرائيلية  بحجة «التلوث» عام 1996 والذي فجر اضطرابات بهذا الخصوص.

ج‌- في مظاهرات  السود عام  2012 وصفهم نتنياهو بأنهم «أغرقوا الدولة ويهددون النسيج الاجتماعي للمجتمع الإسرائيلي».

د‌- في مواجهات متجددة مع اليهود السود الإثيوبيين عام 2019 وصفهم عضو الكنيست الإسرائيلي ميري ريغيف (Miri Regev) بأنهم «سرطان في الجسد الإسرائيلي»، بينما وصفهم الحاخام اسحق يوسيف بانهم «قردة».

هـ‌- التعقيدات الإدارية المنهكة للأسود المهاجر لإسرائيل، فطبقا للقانون الإسرائيلي على الأسود أن يجدد إقامته كل 3 شهور وإلا يوضع في الحجز إلى حين إيجاد طريقة لترحيله، وهو ما أعاد نتنياهو، هذه الأيام، تكراره  من ضرورة ترحيل كل الذين شاركوا في مظاهرات العنف خلال اليومين الماضيين من السود.

و‌- عند النظر في إحصاءات العنف في المجتمع الإسرائيلي طبقا للمصادر الإسرائيلية يتبين أن نسبة السود وهي حوالي 1.5% من المجتمع الإسرائيلي، يعانون من تمييز ابرز ملامحه تظهر في المؤشرات التالية:

1- – ضحايا العنف منهم هي الأعلى وتصل إلى 320% قياسا لنسبتهم السكانية مقابل 223% بين العرب الفلسطينيين و160% بين اليهود الروس و53% بين بقية اليهود.

2-  نسبة السجناء منهم إلى نسبة عددهم السكاني تصل إلى 760%.

3- 40% من الجنود السود في الجيش الإسرائيلي تعرضوا للسجن.

4- اقتصاديا ،يشكل دخل  اليهودي الأسود مقارنة بدخل اليهودي  الأبيض  اقل من  20%.

5- الفارق في المستوى التعليمي بين اليهودي الأبيض واليهود الأسود هو 18% لصالح الأبيض.

ماذا يعني ذلك؟

من الطبيعي في ظل هذا التمييز العنصري أن يحتقن مجتمع السود في باطن المجتمع الإسرائيلي، وأن ينفجر في وجه هذا التمييز في «أرض الميعاد» المزيف، وليس من الذكاء اختصار الصورة بأنها بين «أنصار الساسي أفورقي وبين معارضيه»، وقد يُفهم أن يلجا معارضوه لإسرائيل، ولكن ما معنى أن يلجأ أنصاره وبهذا الزخم لإسرائيل؟

Please follow and like us:
د. وليد عبد الحي
أستاذ علوم سياسية، الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب