الأثنين أبريل 29, 2024
بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: الهجوم الإيراني.. محاولة للتقييم

بعد وقوع الهجوم الايراني بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل ردا على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق،

لا بد من التوقف عند بعض الملاحظات:

أولا: انعدام المفاجأة:

يمكن القول إن هذا الهجوم الإيراني تحديدا لم يشكل مفاجأة لأحد، إذ أن المستويات السياسية الإيرانية من المرشد الأعلى إلى الرئيس إلى قيادات الجيش والحرس الثوري أكدوا على «أن الرد قادم بالتأكيد وفي وقت ليس ببعيد»، وكان الموقف الإسرائيلي في توجهه العام يصدق ذلك ،كما ان الأمريكيين تعاملوا مع الأمر على أنه أمر حتمي، ولعل المبرر للهجوم الإيراني (قصف بعثة دبلوماسية لدولة معينة) كان محرجا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه ناهيك عن الدول الأخرى، أي أن الفعل الإسرائيلي المتهور «أضفى قدرا من التبرير» للهجوم، وهو امر زاد من جرعة التصميم الايراني على الرد، لأنه فعل فاضح لجوهر القانون الدولي في فرعه الدبلوماسي.

من ناحية أخرى، فإن طبيعة الهجوم يجعل المفاجأة معدومة بتأثير المتغير الجيوسياسي، فالتحضير للهجوم والفترة الزمنية التي تستغرقها المسيرات والصواريخ للوصول لأهدافها كافية لاتخاذ إجراءات سريعة للتصدي بقدر معقول، فأقصر مسافة بين إيران وفلسطين المحتلة هي 1728 كيلومتر.

ثانيا: اعداد القوة المستخدمة:

حاولت تتبع عدد الصواريخ والمسيرات في بيانات الأطراف المباشرين وغير المباشرين، وتبين لي تباعد كبير للغاية بين تقديرات كل جهة، فالبعض أحصاها بانها 331 صاروخا ومسيرة، والبعض اوصلها الى 500، وأخر قال إنها عشرات، بل إن تصنيفها (بين مسيرة وصاروخ وأنواع الصواريخ بالستية أو غيره) متضاربة، وعليه فإن حجم الضربة أمر متعذر حتى هذه اللحظة على التقدير. كذلك فان عدد الأهداف التي وصلتها هذه الهجمات غير معروف، ولا مدى انتشار هذه الأهداف جغرافيا، مما يجعل تقييم الفعل الإيراني أكثر صعوبة.

ثالثا: الآثار المادية والمعنوية:

حتى هذه اللحظة (وقد تظهر بعض الآثار في الأيام او الساعات القادمة) لم يعلن أي من الطرفين عن عدد الأهداف التي تعرضت للضرب كما أشرنا، ولا عدد الصواريخ والمسيرات التي تم إسقاطها، ولا حجم الخسائر البشرية أو المادية، ولم نر حتى هذه اللحظة صورة واحدة لهدف ذي دلالة، واقتصر الإيرانيون على التركيز على القاعدة الإسرائيلية التي تقول إيران إنها كانت منطلق القصف للقنصلية في دمشق، وأن القاعدة أصيبت إصابة مباشرة، ويقول رئيس الأركان الإسرائيلي إن الإيرانيين أطلقوا 300 صاروخ ومسيرة وأنهم- أي القوات الإسرائيلية- أسقطوا «99%» منها، أي وكأنه يدعي أن ما وصل لفلسطين المحتلة هو 3 صواريخ أو مسيرات فقط، وهي نسبة لم تصلها إسرائيل حتى في مواجهة صواريخ ومسيرات المقاومة في غزة مع الفارق في مستوى التطور التكنولوجي لصالح الأسلحة الإيرانية، وبالتالي يمكن تقييم الآثار المادية المعلنة والتي تتمثل في وقف حركة الطيران المدني وبعض الشلل في بعض القطاعات إلى جانب الحالة النفسية والاضطراب في المجتمع الإسرائيلي، لكن من المتعذر -حتى هذه اللحظة- تقييم الأثر العسكري.

رابعا: التوظيف السياسي للحدث:

شكل الرد الايراني –بغض النظر عن تقييم آثاره التي اشرت لها- تحذيرا لإسرائيل بأن التهديد يمكن أن يتحول لتنفيذ فعلي وليس كما كان الأمر سابقا، كما أن المبرر لرد الفعل الإيراني يلقى «قدرا من التفهم» (وليس القبول) لدى الدوائر الدبلوماسية الغربية على أقل تقدير لأن الفعل الإسرائيلي -قصف بعثة دبلوماسية- فيه قدر من الشذوذ عن النمط السائد في المواجهة بين الطرفين.

والملاحظ أن الفعل الإيراني تحاشى تماما الأهداف المدنية (في ظل ما تم اعلانه او ما يبدو من بعض الاشارات)، وكأن الفعل الإيراني هو أقرب للقول بإننا نرد ولدينا القدرة على الرد بغض النظر عن النتائج، ونبتعد عن الأهداف المدنية خلافا لإسرائيل التي تجعل الأهداف المدنية هي المفضلة، وهو ما يتجلى تماما في غزة وفي ضرب بعثة دبلوماسية مدنية.

ونعتقد أيضا أن الفعل الإيراني زاد من الضغوط الدولية (مع ارتفاع أسعار النفط، واضطراب التجارة الدولية، واقحام العالم في مشاكل جديدة، وارتفاع تكاليف الشحن البحري والتأمين عليه، إلى جانب التوترات في الشارع السياسي عالميا، والتأثير على بعض الانتخابات القادمة في عدد من الدول.. الخ) لإعادة طرح فكرة لماذا كل هذا؟ ولا شك أن الجواب العالمي هو أن جذور الأمر تنتهي في تراب غزة، وهو ما سيتم توظيفه لضرورة التوجه نحو السبب لا نحو النتيجة، وهو ما يعني مزيد من الضغط على إسرائيل للعمل على إعادة الهدوء إلى قطاع غزة، لأن التوسع نحو الإقليم تزداد إشاراته بعد الهجوم الايراني، فقد بدأ الأمر بالطوفان، ثم التحق به محور المقاومة بشكل متتابع، وها هو مركز المحور ينخرط مباشرة.. وهو ما يستدعي لجمه من منظور غربي وصيني وروسي وبعض العربي (لان هناك دول عربية أكثر توقا من اسرائيل لتوريط الولايات المتحدة وإيران في مواجهة مباشرة)، وكل ذلك يعني مزيد من دعم جهود وقف إطلاق النار في غزة، وهو هدف يعزز من قيمة الفعل الايراني.

خامسا: المعالجة الاعلامية العربية للمواجهة

لا أرى جدوى من مناقشة الإعلام الرسمي العربي (فهو يعكس مواقف دوله)، لكن الإعلام الوكيل هو الذي يربك المتلقي العربي، فعند النظر لقناة الميادين نجدها مشغولة بتضخيم مباشر للحدث، بينما لا تتورع قناة العربية عن محاولة إثبات أن نتائج الهجوم الإيراني هي «لصالح إسرائيل.. إلى حد القول على لسان أحد مذيعيها أن الهجوم الإيراني يساهم في إعادة صورة إسرائيل التي تشوهت في غزة إلى ألقها السابق -الدولة الضحية-، أما الجزيرة فإن المتلقي بحاجة ليقظة أعمق ليكتشف السعي الذكي لتحجيم» الأداء الإيراني أو محور المقاومة من خلال خطاب إعلامي مصاغ بكيفية تستشعر وظيفته بشكل غير مباشر.

كل هذا يطرح السؤال الجوهري:

هل التقييم العام للهجوم الإيراني له أثر إيجابي على الشروع في إخراج غزة من محنتها؟

نعم أنا أرى ذلك، لكن دون مبالغة فجة، كما أن الأمر سيستغرق بعض الوقت في ظل مماحكات التفاوض مع إسرائيل، لكن المؤكد أن الضغط للتسوية في غزة هي البديل الأقل ثمنا للجميع من الانجرار خلف «أوهام نيتنياهو»، ولعل إعلان إيران على لسان قادتها العسكريين عن «انتهاء العملية العسكرية» دليل على رغبة ضمنية لفتح الباب ثانية أمام التفاوض للجم التصاعد في الإقليم وبالتالي في غزة.

ربما.

‏تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في يوتيوب

تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في واتساب

Please follow and like us:
د. وليد عبد الحي
أستاذ علوم سياسية، الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب