أقلام حرة

رسائل النصر: ‌طَواغيتُ «كُم»

إن استبدال طاغية مكان طاغيةٍ سلوك نابع من استعداد نفسيّ عند الشعوب التي لم تعتد على حياة الحرية والكرامة، ولم تمارس حقوقها السياسية لتجد حلاوتها وإن كانت مكلفة، فلا يمكث الشعب الذي اعتاد الحياة في ظل طاغية إلا قليلاً؛ حتى يصنع طاغيةً آخر، وربما يحسد الشعوب الأخرى على طغاتها إن لم يكن له طاغية، فينادي: “اجعل لنا طاغية كما لهم طاغية”. إنها سنن الأمم الهالكة، قال تعالى واصفاً حال بني إسرائيل

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}

[الأعراف:138]،

لقد عاشوا زمناً طويلاً في مصر التي فيها أوثان كثيرة، ورزحوا تحت طاغية متجبر متأله، لم يكن يستعملهم إلا في الخدمة وحقير الأعمال، فذلَّت نفوسهم، واستسهلوا العبودية للصور البشرية والحجرية.

‌لقد حكم حافظ الأسد بدايةً، ولم يكن القائد الخالد، الحاكم الأوحد، ولم تكن الشام سوريا الأسد في أول الأمر، لكنه تمكّن وأصبح طاغوتاً يُعبد من دون الله حين وقف كفتارو بجانبه وخدّر الناس بفكره، وعندما دعمَه تجار دمشق وحلب حفاظاً على مصالحهم وتجاراتهم، ولمّا خنع عامة الشعب وتثاقلوا إلى الأرض ولم يأخذوا على يد الظالم منذ البداية.

ما نستفيده من تلك المرحلة، أنه لا يجوز السماح بسرقة الثورة واختزال انتصارها بجماعة معينة ولا حزب معين، فضلاً عن نسبة النصر بقصد أو بدون قصد إلى شخص معين وجعله القائد الذي لم تنجب الأمة مثيلاً له؛ ولنا في تاريخنا الحديث عبرة، من حافظ المجرم إلى عبد الناصر إلى زين العابدين بن علي.

وإذا كان البعض يحتجّ على هذا السلوك بأهمية صناعة رموز للثورة يقتدي بها الشباب فلدينا آلاف القادة الذين عمِلوا وثَبتوا واستُشهدوا في سبيل الله، فعبد الباسط الساروت وعبد القادر الصالح وأحمد الحصري وغيرهم الكثير هم قدوات فرضت نفسها للأجيال القادمة في مسيرة التغيير.

فعلى من يدّعي “المصلحة العامة” ألا يكون رئيساً أكثر من الرئيس، ولا ملكاً أكثر من الملك، ولا طاغيةً أكثر من الطاغية، وإن الأصوات التي تحذر من الطغيان وتتصدى له يتحمل أصحابها الكُلفة والمشقة لكي تتحقق المصلحة العامة حقاً.

لا نريد تكرار شكل الحكم الجَبري في سوريا، ولا نريد كذلك العودة إلى صفحات التاريخ واستنساخ دول الملك العاض (الأمويين والعباسيين والعثمانيين) بإيجابياتها وسلبياتها التي ما زلنا ندفع ثمنها بعد مئات السنين، بل نريد بناء نظام إسلامي راشد، على منهاج الخلفاء العِظام، أبي بكر وعمر، يخرجنا من هذا التيه الذي دخلت به الأمة ولم تخرج منه إلى الآن.

النقيب علاء الحلبي أبو عدي.. ثوار حماة.

منتدى قضايا الثورة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى