يخوض رستم عمروف، رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني، أصعب معاركه السياسية ممثلاً لبلاده في مفاوضات مع روسيا، تهدف إلى وقف الحرب الدائرة منذ 2022. لكن مهمة عمروف لا تخلو من المفارقة المؤلمة؛ فهو، الناشط التاريخي في الدفاع عن حقوق تتار القرم، يجد نفسه اليوم أمام احتمال قبول واقع ضم شبه جزيرة القرم لروسيا كجزء من تسوية تنهي الحرب.
عمروف، المولود في سمرقند بأوزبكستان، عاش طفولته في ظل سياسة التهجير القسري التي طالت أسرته من تتار القرم عام 1944. عاد في التسعينات إلى شبه الجزيرة، وبرز لاحقاً كقيادي سياسي مؤثر في تمثيل مجتمعه، حيث أسس عدة منظمات شبابية وحقوقية، وشارك في إطلاق “منصة القرم” الدولية للضغط على موسكو لإنهاء احتلالها.
بعد مسيرة ناجحة في قطاع الأعمال، دخل عمروف البرلمان الأوكراني عام 2019، وكان من القلائل الذين حافظوا على سجل خالٍ من شبهات الفساد. شغل لاحقاً منصب وزير الدفاع في 2023، ليكون أول تتري ومسلم في هذا الموقع، في إشارة سياسية من كييف بأنها لن تتنازل عن القرم. لكن تطورات الحرب فرضت معادلات جديدة.
عمروف شارك في مفاوضات بالغة الحساسية، من تبادل الأسرى إلى صفقة الحبوب، وحتى لقاءات سرية مع أطراف أميركية وسعودية، حيث تحدث عن «سلام عادل ومستدام». ومع ذلك، بدا واضحاً أن شروط روسيا، التي تشمل الاعتراف بسيادتها على القرم وأربع مناطق أخرى، تضعه في مواجهة مريرة مع مبادئه.
في جولاته التفاوضية، خصوصاً في إسطنبول، لا يمثل عمروف مجرد مفاوض أوكراني، بل يحمل على عاتقه إرث تتار القرم وتاريخ نضالهم ضد التهجير والتهميش. ومع تصاعد الضغوط لإنهاء الحرب، يتعيّن عليه اتخاذ قرارات قد تعني التنازل عن أرض نشأ على الدفاع عنها.
اليوم، عمروف يجلس إلى طاولة التفاوض لا بصفته وزيراً فحسب، بل كرمز لتحولات أوكرانيا المعقّدة، وتوازناتها السياسية والتاريخية. قد تكون هذه آخر معاركه، لكنها بلا شك أكثرها ألماً… فالثمن ليس فقط سيادة وطن، بل مصير شعب لطالما قاتل ليقرر مستقبله بنفسه.