الأحد مايو 19, 2024
بحوث ودراسات

الوعي الاستراتيجي:

رضا بودراع يكتب: فهم طبيعة العملية العسكرية بعد «طوفان الأقصى»

إذا تتبعنا تسلسل الأحداث العسكرية منذ 7 أكتوبر، سنجد أن المواجهة  تغير مسرح العمليات باستمرار، وكل مسرح لا يشبه الآخر من حيث:

–  الأهداف السياسية

– الأهداف العسكرية

– دخول أطراف جديدة

– ومن حيث التكتيكات المعتمدة.

مسرح العمليات الأول

  في 7أكتوبر كانت القسام صاحبة المفاجأة، وعسكريا من يملك المفاجأة يملك المبادأة.

فكانت طوفان الأقصى عملية عسكرية هجومية لها خططها وأدواتها وحددت أطرافها وهنا كان الطرفان القسام والكيان، ومسرح عملياتها طرفي غلاف غزة من جهة القسام ومن جهة العدو.

مسرح العمليات الثاني

في 9 أكتوبر وبعد يومين فقط من الصدمة الكاملة.. انتقلت المواجهة العسكرية من فصيل على جيش نظامي إلى حرب أحلاف دولية!، اتسعت من خلالها مساحة المواجهة لتشغل مسرحا جديدا للعمليات العسكرية، فلم تعد تدور رحاها على غلاف وجدار غزة، بل امتدت لعمق الكيان الصهيوني بإعلان عملية «السيوف الحديدية» وانتبهوا للتسمية ليس سيفا واحدا بل سيوف مجتمعة ومتعددة،

وهو ما ترجمه دخول كلا من أمريكا بريطانيا ألمانيا وفرنسا ابتداء من اليوم التاسع واكتمل اصطفاف الرباعي الصليبي في ظرف أسبوع واحد فقط.

وانتقلت طبيعة الحرب من كونها برية إلى مسرح عمليات جديد في بعدها البحري الجوي والفضائي، أين كان انتشار حاملات طائرات وبوارج وفرقاطات عسكرية بحرية من أبرز محددات المسرح الجديد.

ومع ذلك  ميز طبيعة هذه الأيام القصف والقصف الصاروخي المضاد، وكل ذلك كان تحضيرا للعملية البرية في غزة.

المسرح الثالث

إن دخول الخلف صهيوصليبي فعليا في العملية البرية لاجتياح غزة  نقل ساحة العمليات من داخل أسوار غزة إلى ما بات يعرف بحرب الجبهات الأربع لحد الآن، والمتمثلة في غزة لبنان اليمن والعراق.

فأصبح جهد الكيان الحربي الرئيسي  في غزة، وتكفلت الأحلاف الصليبية بردع الجبهات الأخرى.

والتقدير العام إلى غاية هذه اللحظة،

–  أن عملية الردع الصليبي للجبهات الثلاث تبدوا ناجحة لحد الآن رغم بعض مناوشات حزب إيران اللبناني واستهداف بعض القواعد والمنصات الأمريكية في سوريا والعراق.

– وأن عملية التوغل البري للكيان تبدو أنها تتعثر كلما تقدمت نحو مراكز المدن  وخاصة مدينة غزة بالشمال، حيث أظهرت المقاومة خططا دفاعية جديدة مختلفة عن خطة هجوم طوفان الأقصى.

وأدخلت لساحة العمليات أسلحة جديدة كقذائف ياسين 105 وصواريخ تصل لـ250 كلم

مسرح العمليات الرابع

لم نصل إليه بعد و قد لا نصل إليه إذا تم وقف إطلاق النار أو إبرام هدنات إنسانية متتالية

يدعو إليه العالم كله وتصرح بها أمريكا مرة وتنقضها في كل مرة فهي لم ولن تستطع التوفيق بين دورها الدولي في فض النزاعات، ومن كونها طرفا مباشرا في الحرب إلى جانب الكيان.

المسرح الرابع

مثير للغاية فسيتكون من أربعة أبعاد كل بعد مسرح قائم بذاته !!

البعد الأول؛

اجتياح شمال غزة وعزلها عن جنوبها.

وهذا سينقل المقاومة من خطة الدفاع إلى خطط حرب العصابات و حرب الاستنزاف الطويل و هي تمتلك البنية التحتية العسكرية للقيام بها بقدرة تذخيرية لا تقل عن ستة أشهر قتال متواصل يعني أنها تستطيع الصمود لثلاث سنوات

وهي تملك شبكة أنفاق منها المعلوم وأخطرها المجهول ، فإذا أسسنا كلامنا بالمعلوم فهي شبكة تمتد ل 500 كلم  وعلى أربع مستويات المستوى الأول على عمق ما بين ٣ إلى ٦ أمتار وهو عمق حرب الأنفاق

المستوى الثاني ما بين ٦ إلى ٢٣ متر

والمستوى الثالث ما بين ٢٣ و ٦٠ متر

والمستوى الرابع من ٦٠ إلى ٨٠ متر

أما المستويات الأفقية والعمقية المجهولة من شانها أن تجعل كل الأهداف العسكرية محدودة بالمعنى العسكري، أي أن السياسي سيبقى عاجزا في قراراته النهائية متذبذبا بين ما يمكن للأهداف العسكرية تحقيقه بشكل نهائي أو مؤقت،

وبالتالي لا تصلح أن تكون ورقات ضغط سياسية قوية في العمليات التفاوضية، هذا من جهة

من جهة أخرى إذا تكلمنا بالتقدير العسكري في حالة ما تم اجتياح الشمال كاملا

–  فالأمر سيزداد خطورة على قوات الكيان من عدة أوجه

فقد تحولت قوات الكيان من كونها متحركة بعيدة إلى كونها أهدافا ثابتة فوق شبكة أنفاق لا يخرج منها إلا قذائف ياسين و خطف الجنود على مسافة الصفر وقد أصبحت هذه الجملة التكتيك المفضل عند عموم الأمة

باختصار هذا ما يقصده جنرالات أمريكا المخضرمين بفخ غزة المشابه لفخ فييتنام الفلوجة والغوطة وكوريا الشمالية

– إذا قدرنا أن شمال غزة تم اجتياحه بريا فبالتأكد لم يتم اجتياحه عمقيا على كل مستويات الأنفاق التي ذكرناها فتحت كل مدينة مدن عدة

وهذا كابوس الكيان بحيث لن يسعد بأي انجاز عسكري يمكن أن يستثمره سياسيا  خاصة أمام حاضنته اليهودية التي تهرب كل يوم من أرضنا بالآلاف .

ويحاول الكيان تعويض ذلك بالمرتزقة والمتعاملين الأجانب المدنيين الذي يخلفون جنود التعبئة في أعمالهم المدنية وينوبون عن جيشهم المتخاذل في عمليات الاجتياح الدموية ، ويكتفي الجندي الصهيوني بالضغط على أزرار الصواريخ وارتكاب المجاز، فلا يقاتلونكم إلى في قرى محصنة أو من وراء جدر كجدار الأحلاف أو المرتزقة.

ومن هنا نرى بوضوح أن الكيان الصهيوني في المسرح الرابع (المتمثل باجتياح كامل شمال غزة) لا يملك فيه البنية التحتية التي تسند عملية الاحتفاظ بالأرض بعد اجتياحها وفشله في هذا المسرح حتمية عسكرية. وبالتالي لن يستطيع أبدا تحقيق أهدافه السياسية النهائية.

بل حتى الصواريخ الأمريكية التي تم تزويده بها والعالية الكلفة، والتي لها قدرات اختراق الأنفاق لن تصل إلى عمق أكثر من ٢٣ متر، كحد أقصى، وستبقى  للمقاومة البنية العسكرية التحتية اللازمة لخوض حرب الاستنزاف الطويلة. وإفشال كل محاولة للسيطرة الأمنية ناهيك عن بناء سلطة سياسية عميلة.

نعم المقاومة تمتلك كامل بنتها التحتية العسكرية الضرورية

فلأرض تقاتل إلى جانبها فهم أهلها وهم من يملك خريطة أنفاقها.

في حين الكيان بلا أرض  وبلا أصول عسكرية  إلا التي يملكها بعيدا وإدخالها إلى غزة سيكون في الحقيقة غنائم تذخير حيوية للمجاهدين إن شاء الله.

وإذا كنا تكلم عن شمال غزة فقط فماذا عن غزة كلها.

إن أكبر خطأ عسكري يمكن أن يرتكبه أي قائد حرب هو الخطأ في تقدير مركز ثقل الخصم.

وإن العدو الصهيوني يتكلم أنه حدده في شمال غزة ،وأن مركز القيادة تحت المستشفى المركزي، فيا لبؤسهم، فكما خريطة الأنفاق لا تعلمها إلا المقاومة، فإن مركز الثقل للمقاومة لا تعرفه إلا المقاومة نفسها، وإن غزة لن تسقط مادامت تقاتل في هذه الحرب، وإن سقطت فهذا يعني غرق قوام جيش الكيان في غياهب أنفاق غزة كلها.

البعد الثاني

«انزلاق» جبهة لبنان نحو الحرب متزامنا مع «انهيار عامل الردع» الصليبي.

وهنا ينبغي التركيز على كلمة الانزلاق فحزب إيران اللبناني لن يدخل الحرب بل سيتجنبها بكل المناورات والألاعيب خير أنه ذلك كلها لن يثبت وسينزلق شيئا فشيئا في الحرب لأنها ستكون جاذبة نحو بؤرة صراع شديد الاستقطاب الروحي والجيوسياسي.

والأمر سينطبق فيما بعد على القوى الأخرى المحيطة.

البعد الثالث

هو انهيار عملية تثبيت الصراع وحصره في جبهة واحدة بين الكيان وغزة وذلك  يعني  استهداف أكبر للقوات الأمريكية في سوريا واليمن والعراق واتساع رقعتها.

ولاشك أن هذا يعني خلق مسرح عمليات جديد سنتكلم عنه لاحقا و سيكون  بعده إقليميا.

البعد الرابع

والذي لا يقل أهمية عن البعد العسكري

هو بعد  بثلاث محدادت  – سياسي – دبلوماسي – وأخلاقي.

فكل ساعة تمر في الحرب يخسر الكيان أخلاقيا وقيميا

وكل مساحة تتسع في الحرب تخسر أمريكا وحلفاءها دبلوماسيا وفق القانون الدولي

وكلما رفضت الهدن الإنسانية تفككت أوصال الأمم المتحدة وأصبحت عاجزة عن أي حل

المسرح الخامس:

هو تحول المواجهات إلى حرب إقليمية كبرى تنخرط فيها كل دول الطوق وكل الدول الارتكازية في الإقليم أو الشرق الأوسط الأدنى

وستدخل كل من إيران تركيا السعودية ومصر فيها بشكل مباشر

طبعا هذا ما يلبث إلى أن تصبح حربا عالمية شاملة وهذا هو المسرح السادس ما قبل الأخير.

حيث أن كل دولة إقليمية تدور في فلك قوى أكبر منها

وسنجد أنفسنا أمام ثلاثة قوى رئيسية

أولا القوة الصهيو-صليبية وإطارها المشروع الأطلسي

ثانيا القوة الـ(صينو- أوراسية-شيعية) وفيها إيران روسيا والصين

والقوة الثالثة قطب الأمة الإسلامية المفاصلة لباقي القوى مفاصلة كلية وجذرية وكل العمليات العسكرية ستكون فوق جغرافيتها وستكون ديمغرافيتها الأشد تأثرا وتأثيرًا.

وقد تكلمت عن ملامح ذلك في كتابي استراتيجيات الصراع العالمي.

وقد أفرده بمقالات ومقاربات متعددة لاحقا.

Please follow and like us:
رضا بودراع
كاتب جزائري، وباحث في الشؤون الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب