في تصريحات مثيرة لصحيفة الغارديان البريطانية، وجّه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز انتقادًا لاذعًا للسياسات الغربية، معتبرًا أن ازدواجية المعايير بين الموقف من حرب أوكرانيا والوضع في غزة تهدد مكانة الغرب عالميًا.
سانشيز، الذي كان من أوائل القادة الأوروبيين الذين اتهموا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، أكد أن الاتحاد الأوروبي يواجه أزمة مصداقية كبرى، وأن الشعوب حول العالم باتت ترى التناقض بوضوح في مواقف أوروبا والولايات المتحدة.
أولًا: مضمون تصريحات سانشيز
اعتبر أن رد الفعل الأوروبي على غزة «فشل حقيقي»، بسبب الانقسام الداخلي في الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع إسرائيل.
شدد على أن العالم يقارن بين موقف الغرب في الدفاع عن أوكرانيا وموقفه المتردد تجاه الفلسطينيين، قائلاً: «لماذا تطبقون معايير مزدوجة؟».
وصف ما يجري في غزة بأنه «أحد أحلك فترات العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين».
دعا إلى إجراءات أوروبية أشد صرامة ضد إسرائيل، تشمل تعليق الشراكة الاستراتيجية معها وفرض عقوبات مالية.
رحّب باعتراف بعض الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية، لكنه اعتبر ذلك غير كافٍ ما لم يترافق مع موقف جماعي أكثر حزمًا.
ثانيًا: السياق السياسي
تصريحات سانشيز جاءت عشية لقائه برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في لندن، وسط نقاش أوروبي محتدم حول الموقف من غزة.
إسبانيا كانت في طليعة الدول التي اعترفت رسميًا بدولة فلسطين إلى جانب إيرلندا والنرويج وسلوفينيا.
حكومة سانشيز اليسارية تبنّت خطًا متقدمًا في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ما جعلها عرضة لانتقادات شديدة من تل أبيب وبعض العواصم الغربية.
في المقابل، تحاول مدريد استثمار هذا الموقف لتعزيز دورها القيادي داخل الاتحاد الأوروبي، كصوت يدعو إلى العدالة الدولية وموازنة النفوذ الأميركي في القارة.
ثالثًا: ردود الفعل الأوروبية
في بروكسل: دبلوماسيون أوروبيون أقرّوا بأن تصريحات سانشيز تعكس واقع الانقسام، إذ لا تزال دول مثل ألمانيا والنمسا تقف بشكل واضح إلى جانب إسرائيل.
في لندن: تصريحات سانشيز وضعت حكومة ستارمر الجديدة أمام ضغط داخلي، حيث تزايدت الدعوات داخل حزب العمال لمراجعة الدعم البريطاني لإسرائيل.
في باريس وبرلين: الإعلام الفرنسي والألماني ركز على خطورة اتهام الغرب بازدواجية المعايير، مؤكدًا أن هذا يضر بصورة أوروبا كمدافع عن القانون الدولي.
رابعًا: الموقف العربي
في العالم العربي، لاقت تصريحات سانشيز ترحيبًا واسعًا.
الإعلام العربي أبرز بقوة عبارة «ازدواجية المعايير» وربطها بالمواقف الغربية التاريخية تجاه القضية الفلسطينية.
محللون سياسيون عرب اعتبروا أن كلام سانشيز يُعدّ «صفعة دبلوماسية» للمؤسسات الأوروبية التي فشلت في حماية المدنيين في غزة.
بعض الدول العربية رأت أن إسبانيا تفتح الباب أمام تكتل أوروبي جديد أكثر جرأة في الضغط على إسرائيل، وقد يشكل نواة لتحول في ميزان المواقف داخل الاتحاد.
خامسًا: ردود إسرائيلية
في تل أبيب، قوبلت تصريحات سانشيز بغضب رسمي، حيث اتهمت الحكومة الإسرائيلية إسبانيا بـ«تشويه الحقائق» و«تسييس المأساة الإنسانية في غزة».
وسائل الإعلام العبرية وصفت إسبانيا بأنها تقود «حملة عدائية» ضد إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، اعترف بعض المحللين الإسرائيليين أن خطاب سانشيز يعكس تنامي عزلة إسرائيل على الساحة الأوروبية، وأن اتهام الغرب بازدواجية المعايير بات يتردد في كل النقاشات الدولية.
سادسًا: الأبعاد الدولية
في واشنطن: الإدارة الأميركية لم تعلّق مباشرة على تصريحات سانشيز، لكنها أكدت التزامها «بدعم إسرائيل وأمنها». ومع ذلك، أشارت تقارير إعلامية أميركية إلى أن واشنطن تدرك خطورة فقدان المصداقية الدولية بسبب التناقض في مواقفها.
في الأمم المتحدة: ناشطون حقوقيون رحّبوا بموقف سانشيز، معتبرين أنه يعكس حقيقة طالما حذروا منها: استمرار ازدواجية المعايير يقوّض النظام الدولي القائم على القانون.
في الجنوب العالمي: كثير من دول آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية رأت في كلام سانشيز تأكيدًا لصوابية موقفها، حيث كانت منذ البداية تنتقد التناقض الغربي بين الدفاع عن أوكرانيا والتغاضي عن معاناة الفلسطينيين.
سابعًا: تحليلات وآراء
خبير العلاقات الدولية الإسباني خافيير سوليس: «سانشيز يريد إعادة تعريف دور إسبانيا في أوروبا كصوت أخلاقي. لكنه أيضًا يراهن على شعبية هذا الموقف داخليًا، حيث يتعاطف الرأي العام الإسباني بقوة مع الفلسطينيين».
المحللة البريطانية أنجيلا مارتن: «ازدواجية المعايير ليست مجرد تهمة سياسية، بل واقع ملموس يضعف مصداقية الغرب في أي ملف دولي، من إيران إلى المناخ».
الكاتب العربي سامر العوضي: «ما قاله سانشيز هو جوهر المأساة: الغرب لا يمكنه أن يدافع عن الديمقراطية في كييف ويتجاهل حقوق الإنسان في غزة في الوقت نفسه. هذا تناقض لن يصمد طويلًا».
ثامنًا: أهمية هذه اللحظة
تصريحات سانشيز تمثل نقطة تحوّل في الخطاب الأوروبي، فهي تكشف أن المسألة لم تعد مجرد خلاف حول غزة، بل أزمة ثقة عالمية بالغرب كله.
إذا استمر الاتحاد الأوروبي في التردد، فإنه قد يخسر دوره كـ«قوة معيارية» كانت تستند إلى قيم حقوق الإنسان والدفاع عن القانون الدولي.
سانشيز لم يكتف بانتقاد إسرائيل، بل وجّه إصبع الاتهام مباشرة إلى قلب الغرب. قالها بوضوح: ازدواجية المعايير تقتل مصداقيتنا.
وفي عالم متعدد الأقطاب يتابع عن كثب مواقف القوى الكبرى، فإن هذه الكلمات قد تكون جرس إنذار لأوروبا قبل أن تخسر ما تبقى لها من شرعية أخلاقية.
