مضر أبو الهيجاء
نجحت أمريكا في إدارة الأزمة المفتعلة في الجنوب السوري، حيث استخدمت الطائفة الدرزية ممثلة بقيادتها الخائنة والرخيصة، وعززتها بذراعها التنفيذي إسرائيل المجرمة، فقطفت ما تريده وتسعى إليه في الأساس، وجعلت صورته الطبيعية انعكاسا لأحداث موضوعية، يديرها الكاهن الأمريكي بامتياز!
في بداية معارك الطوفان حين كان السوريون يعبرون عن مشاعرهم الصادقة المنتمية والمتحسرة على واقع غزة وفلسطين، كنت أكتب وأقول لهم وجهوا عيونكم على الجنوب السوري ودرعا، فإسرائيل تضرب في غزة وعيونها ترمق الضفة الغربية ودرعا، وما غزة إلا نافذة الأمريكان لترتيب أوضاع عموم المنطقة.
وبالمناسبة فقد أشار صائب عريقات مرات عديدة وقبل عشرون عاما إلى الأطماع الإسرائيلية في الجنوب السوري ودرعا، كما نبه لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي المعلن -إسرائيليا- حول المياه في حوران.
كنت ولا زلت مصرا منذ أكثر من عامين -وقبل الطوفان- على أن أمريكا ستبني سورية الثانية كما صاغت الأولى، وذلك بهدف تفويت فرصة النهضة الحقيقية وبناء سورية الجديدة التي يستحقها السوريون كثمرة مستحقة لحجم تضحياتهم الكبيرة، وكطموح صادق لدى شعوب الأمة لرؤية تحرر سورية وقيامها في سياق نهضة الأمة وانعتاقها السياسي من الهيمنة الغربية، القائمة منذ انهيار الخلافة قبل مائة عام.
سورية الثانية فاتحة تغيير خرائط المنطقة!
لم يكن ترامب الرجيم يهذي عندما قال إن إسرائيل صغيرة ويجب أن تتوسع، والمعنى المقصود إن الثكنة الأمريكية (إسرائيل) تستحق ويجب أن تكبر وتتوسع وتتمدد وتتموضع في المنطقة تجاوبا مع التحديات والمخاطر الدولية، ورغبة في توسيع النفوذ، ووقاية من أي مفاجآت من التنين الأصفر، وتجهيزا لأرضية التعامل مع المستقبل المرسوم لكل من تركيا ومصر والسعودية، لاسيما بعد أن يصبح الطرف الأمريكي الأصيل هو من يشرف ويدير المنطقة وليس الوكلاء الذين شاخوا وضعفوا بعد أن أدوا مهمة خيانة شعوبهم والأمة بأمانة وإخلاص منقطع النظير لصالح الغرب الصليبي المعادي واللعين!
وإذا كانت أرض سورية الرخوة هي الفاتحة في تغيير خرائط سايكس وبيكو التي تطمح أمريكا لإعادة صياغتها وفق تصورها المتوحش والجديد، فإن حدود دول كالأردن ولبنان وما يشبهها ستكون فروق حسابات بعد صناعة المنعرجات المدوية.
إيران المفيدة والطوائف الرخيصة!
كنت ولا زلت أرى بأن المشروع الأمريكي لن يتجاوز تشذيب إيران إلى تدميرها وتفكيكها كما حصل في العراق، لاسيما وأن حلول ملالي ولي الفقيه وامتلاكهم للدولة ومفاتيح طهران، حقق ما عجز عنه الغرب الصليبي وإسرائيل المجرمة، فقد فتت دول المنطقة وسحق العراق سد الأمة العنيد، فانهارت السيول الجارفة ولما تتوقف بعد، وهي تدمر عاصمة تلو عاصمة ودولة تلو دولة، كما نجحت بامتياز فيما فشلت فيه كل المشاريع المعادية، وهو إحداث الاصطراع الثقافي الذي نحر شعوب المنطقة ولا يزال يهددها، ولذلك كنت ولا زلت أعتقد بضرورة إيران المفيدة للغرب، لضمان نزيف المنطقة وإفشال وحدتها، ولن تجد أمريكا وإسرائيل وإيران ملهاة تخدع الأمة كما فلسطين الجريحة، وزيادة عليه تهدر دماء أهلها وتستنزف طاقات أهلها بلا ثمرات راجحة!
أما الطوائف في منطقتنا ومن خلال قياداتها الرخيصة، فهي المادة الخام التي تعمل من خلالها كل المشاريع المعادية في الماضي والحاضر والمستقبل، وكما حصل مؤخرا وحركت إسرائيل كلبها الرخيص حكمت الهجري لتنفيذ ما تريده أمريكا وتتموضع فيه الأداة التنفيذية إسرائيل، فإن مستقبل المنطقة مهدد بحراك طائفي وعرقي في عموم دول الشام قبل أن ينتقل إلى الكارثة في مصر، الأمر الذي يوجب تقعيدا نظريا وخطوات سياسية عملية تصعب الطريق على الأمريكان، قبل الوصول لما وصل إليه أحمد الشرع، حيث انسحب من السويداء وسلم المدينة للزعران من بني إسرائيل الدروز أتباع حكمت الهجري الخائن والرخيص.
الطريق إلى الحل ونموذج قضية الأقصى!
إن بركة المسجد الأقصى تظهر من وقت لآخر، لتذكر بمفهوم الوحدة المطلوب.
وفي ظل وفرة مادة النصر الخام من أبناء الشعوب العربية والمسلمة التي نضجت نسبيا خلال الثورات العربية، فإن مواجهة مشاريع الخصوم ممكنة ولكنها غير مكتملة الجاهزية، الأمر الذي يوجب حالة المصالحة بين مراكز القوة والنفوذ المنتمية والقائمة وبين شعوب الأمة الثائرة.
وكما فشل الاستعمار القديم في البقاء في دولنا وأقاليمنا بسبب مواجهة الشعوب العربية له، يمكن أن يفشل الاستعمار الحديث الذي تقوده أمريكا المجرمة، بشرط أن تتقدم الشعوب على أرضية تصور سليم ومشروع جاد شجاع وقويم، يجمع الناس حول كلمة سواء يتفق حولها الجميع.
وفي نظرة سريعة لتجربة الحكم الوليدة في سورية نجد أن التهميش المجتمعي هي السياسة المتبعة دون وعي من القائمين، فهل سيعوا أن القنبلة النووية السورية تكمن في شعبها العظيم، فيعيدوا صياغة المعادلة؟