سيد فرج يكتب: السيسي في مواجهة ترامب.. فهل يقف وحيداً؟
قراءة لما يجب على القوى الشعبية والسياسية لمنع الضغوط الأمريكية.
في الأيام الماضية، أثار الرئيس الأمريكي ترامب حالة من الجدل، وأراد خلط الأوراق في مصر، والأردن، والمنطقة، حيث أوحى بخبثٍ، وكذبٍ، لوسائل الإعلام، أنه يمكنه إقناع القيادتين في مصر والأردن، بتهجير أهل غزة واستقبالهم على الأراضي المصرية والأردنية، في خطوة تعد جريمة ضد الإنسانية، ومخالفة لقواعد القانون الإنساني، والقانون الدولي.
ثم جاءه الرد واضحاً، صريحاً، على لسان وزير الخارجية المصري، أن مصر ترفض احتلال غزة، أو تهجير أهلها طوعياً، أو قسرياً، وأن مصر مع حل الدولتين.
فأعاد ترامب تصريحاته، وكأنه يريد أن يحصد جملة مكاسب ما، من اللوبي الصهيوني الأمريكي، وكذا يمتص غضب اليمن المتطرف في إسرائيل، بحيث يقول لهما أنني أوقفت الحرب، لكني سوف أقدم لكم هدية، وهي تهجير أهل غزة، ثم يرسل رسائل للمنطقة، والعالم أنه “رجل أمريكا القوي” الذي إذا أراد أمراً أنفذه، وأن الحكام والحكومات في المنطقة العربية لا يخرجون عن إرادته، وأنه يملك أوراق الضغط الكافية عليهم، لتنفيذ مخططاته.
لكن جاءته ريحٌ، عاصفةٌ، صادمةٌ من القاهرة، تحمل عدداً من التصريحات الرسمية، من وزير الخارجية، والمتحدث باسم الرئاسة، ومصادر مطلعة، وشبه رسمية من الإعلام والنقابات، حتى انتهت اليوم بخطاب، واضح، صريح، من رئيس الجمهورية المصرية.
وهنا نتناول عناصر ثلاثة في إطار مضمون الخطاب وهي:
أولا: خطاب السيسي أهمية الخطاب ودلالته ورسائله:
وعندما نتناول الخطاب يجب إلقاء الضوء على النقاط التالية:
أ- أهميته:
هذا الخطاب يأتي في وقت حرج من عمر القضية الفلسطينية، ومرحلة شديدة الصعوبة، بالنسبة لأهل غزة، كما أنه يمثل مواجهة مبكرة غير متوقعة، وغير مرغوب فيها لأطرافها، فهي تأتي في بداية حكم رئيس أكبر دولة في العالم، وهو المصاب بالأنا والتسلط والشيزوفرانيا والعدوانية.
ب- دلالته:
أن الترويج لقبول مصر تهجير أهل غزة، خطير، ويضر بالأمن القومي المصري، ويضر بالسلطة في مصر وبرئيسها، ومؤسساتها الوطنية، ويضعهم في موضع المتآمر على الشعب الفلسطيني، وهذا اتهام لا يمكن السكوت عنه، ولا التهاون فيه، فضلاً عن قبوله، وأنه لا يسع أي سلطة، أو حاكم في مصر، أن يقبل هذا الاتهام، فضلاً عن اشتراكه في هذا الجرم التاريخي، الذي يمثل جريمة وعار لن يمحى.
ج- رسائله:
لقد كان الخطاب منقسم لشقين: شق رسمي مكتوب، وشق ارتجالي شفوي توضيحي، والخطاب بشقيه، جاء قوياً، واضحاً، كافٍ في توصيل الرسائل المستهدفة، حيث يمكن تقسيم رسائل الخطاب إلى ثلاثة وهي:
أ- الخطاب المقروء:
كتب الخطاب بعناية، فائقة، وبلغة سياسية رصينة، ورسالته واضحة، حيث أكد “أن موقف مصر لا يمكن أن يكون حيادي، وأنه ثابت وتاريخي مع حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وأن هذا يستدعي الحفاظ على الشعب والإقليم، وأننا ضد التهجير، ولا نقبل به، وحذرنا منه، وأن الحل هو في حل الدولتين”.
ب- الخطاب الارتجالي الشفوي:
كان هذا الخطاب هام، لكي يرسل من خلاله الرئيس، أن رفض التهجير، هو أمر بديهي عالمياً، واسلامياً، وعربياً، ومصرياً، وأن الرفض المصري، ليس موقفاً رسمياً فقط، ولا أمر بيد الرئيس شخصياً فقط، بل كل المؤسسات الوطنية، وكل الشعب المصري يرفض وسيرفض هذا الطرح، وأنه ظلم لا يستطيع القيام به، ولا حتى مجرد طرحه على الشعب، وإن طرحه سوف يرفض، وأنه لابد وأن يطمئن الشعب المصري، بأنه لن يقبل هذا، فأنت يا ترامب في مواجهة الشعب المصري، ومؤسساته الوطنية، وليس في مواجهة رئيس الدولة، وهذه الرسالة هامة – من وجهة نظري – “لتخفيف الضغوط الأمريكية الحالية والمتوقعة على الإدارة المصرية” .
ج- اللعب مع ترامب بنفس آلياته:
قال الرئيس المصري:
(أننا يمكننا التعاون والعمل مع الرئيس ترامب في إحلال السلام وتحقيقه بالعمل على حل الدولتين والرئيس ترامب قادر على ذلك) وكأن الرئيس المصري، يلعب على والوتر النفسي والشخصي لترامب، فيقول له أنت قوي فعلاً، فلا تستخدم قوتك علينا في فرض التهجير، لأننا لن نستطيع العمل معك في هذا الملف، للأسباب السابقة، ولكن استخدم قوتك في إحلال السلام، ونحن على استعداد للعمل والتعاون معك.
ثانياً: هل ستتوقف الضغوط الأمريكية؟
لا أتصور أن الضغوط الأمريكية على مصر ستتوقف عند هذا الحد، فالسياسة الأمريكية، لا تعرف مثل هذه التوقعات المبكرة، والتي تعبر عن الفشل السريع، ولكن ستحاول الإدارة الأمريكية مراراً بشتى الطرق طرح هذا الملف، إلى أن تفشل، وستفشل، ولكن لا بد وأن نتوقع محاولات جديدة، وبأشكال مختلفة، وسوف يعمل الساسة، والإعلاميون الصهاينة في أمريكا، وإسرائيل والمتصهينون العرب، اللعب بهذا الملف على الشعب المصري، لإحداث اختراقات بين الشعب ومؤسساته، لخلط الأوراق، وابتزاز السلطة في مصر، لذا يجب الحذر والتحذير من ذلك.
ثالثاً: ما يجب على القوى الشعبية والسياسية:
من وجهة نظري:
أن الأمر خطير، والإدارة المصرية تحت ضغوط شديدة، أكثر مما هو ظاهر، والعلاقات والمصالح الدولية متشابكة، والإدارة الأمريكية اخطبوط قوي، فهي أقوى دولة في العالم، وبيدها أوراق وملفات عديدة، تمكنها من الضغط على أي دولة في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، فيمكن أن تعطل مصالح، وتفجر مشاكل، وتبتز بأوراق وملفات، لذا يجب على القوى الشعبية، والسياسية، والشعب المصري، أن يكون صفاً واحداً في هذه القضية لذلك أرى ما يلي:
١- جميع القوى، والحركات، والجماعات، والأحزاب السياسية، المصرية العاملة، والمجمدة، المؤيدة، والمعارضة، تصدر بيانات تنديد بالمواقف الرامية لتهجير الشعب الفلسطيني، كما تعلن رفضها لتصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني، وتؤيد بشكل واضح، لا يحمل لبس الموقف المشرف للحكومة المصرية في هذا الملف.
٢- أن تقدم القوى السياسية طلباً رسمياً للسماح لها ولجموع الشعب المصري، بالتعبير عن رأيه الرافض للتهجير عامة، ولمصر خاصة، ودعماً وتأييداً للموقف المصري المشرف.
٣- أن تمتلئ مواقع التواصل برفض التهجير، ورفض تصفية القضية الفلسطينية، وتأييد الموقف المصري، بحيث يظهر الرأي العام الشعبي المصري للعالم أجمع.
وختاماً:
(الموقف خطير، على مصرنا، وعلى إخواننا في فلسطين، وعلى مقدساتنا، فيجب علينا أن نقف مع الحق، ومع كل قرار يصب في صالح الدولة المصرية، والقضية الفلسطينية، والأمة الإسلامية، سواء كنا مؤيدين للسلطة أو معارضين لها، فالمسألة ليست شخصية، فكلما فعلته السلطة صواباً يجب علينا أن نؤيده، ولا نتحرج في إعلان ذلك، كما كنا نعلن رفضنا لما نراه – من وجهة نظرنا- لا يصب في صالح الوطن)