شعيب عاهدي يكتب: القائد الفذ والشهيد الخالد
▪︎ إن من أعظم ما حبي الله تعالى به هذه الأمة العظيمة أن جعل فيها رجالا عظماء، اختصَّهم لنفسه، وصنعهم على عينه، وجعلهم آية بين عباده، فهم منارات يهتدى بها، وقناديل يستضاء بها، ومدارس يتعلم منها، وقدوات يقتفى أثرها، ومعارج يترقى بها، فهم القادة الباسلون، والرواد المتقدمون، والرجال المقتحمون، والأتقياء النجباء الربانيون.
▪︎ القائد الفذ، والرمز الخالد، والمؤمن المقتحم الرائد المجاهد، أنموذج عظيم، من هؤلاء القادة العظام، الذين شَرُف بهم جبين هذه الأمة، إنهم رجال بَشّر بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم فجعلهم إخوانه، ثبات أسطوري، وصمود كبير، وإيمان راسخ، وعزيمة ماضية، وإرادة لا تلين. هذا صنع الله…
▪︎ القائد أبو العزم وإخوانه، كانوا بوصلة للأمة، لما تاهت المقاصد عن قبلتها ومقدساتها، هذا القائد أعاق مخططات الاستسلام الأخيرة، بصمود نادر في بيئة معادية متخاذلة متآمرة، فصدح عاليا بلا!، لما قال البعض الرسمي نعم، وما زالت ترن في أذني صرخته المدوية لن نعترف لن نعترف بإسرائيل، فلقي ربه وهو ثابت على عهده، لم تفُت في عضده ولا عزيمته كل ضغوط الدنيا وتكالبها وتآمرها.
▪ ︎ما يعرفه العدو جيدا، أن هذه الأمة تُصنع وتعد لأمر عظيم، فلا سياسة القتل والاغتيال يمكن أن تستأصلها، ولا يمكن أن تحرِفها عن بوصلتها ولا هدفها ولا رسالتها، وقد أثبت التاريخ وبرهنت التجارب، أن من يحمل لواء الأمة وقضاياها، وهو يخوض غمار معارك الاقتحام والمدافعة اليومية، فإنه يعد في الوقت نفسه، قادة وألوية مستعدة متوثبة وجاهزة للمناجزة وإكمال المسير المقدس نحو الهدف اللاحب والغاية العظيمة، وهكذا حمل، ويحمل، وسيحمل اللواء كابر عن كابر بعون من الله تعالى ومدده وتوفيقه.
▪︎ إن هذه التضحيات العظيمة، والأرواح المباركة، والدماء الزكية، لتخجل منها عبارات تقصيرنا، وعبثية مشاكلنا، وتفاهة يومياتنا، فهؤلاء العظام قدموا حيواتهم وأموالهم وعوائلهم وأحلامهم وأنفس ما يملكون قربات لربهم ودينهم ومقدساتهم، طيبة بها أنفسهم في صمود وثبات أسطوري، فماذا نحن فاعلون لنصرتهم ونحن أمة المليار، فماذا أعد كل واحد منا، كل من موقعه، جوابا على هذا السؤال أمام الله تعالى.
▪︎ لكم أستحضر العبارات العظيمة للراهب ورقة ابن نوفل:
«يا ليتني فيها جَذعَاً -أي ليتني أكون حياً- إذ يخرجك قومك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم
قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي
وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزرًا».
فبماذا يحدث بعضنا نفسه، وإخوان لنا محاربون، مجوعون، مضطهدون، مقتلون، نساؤهم وأطفالهم وشيوخهم، مستباحة ديارهم ومقدساتهم وأموالهم.
فما حجتنا، وما جوابنا، وصدى استغاثة إخواننا بلغ عنان السماء، وصُمّت عنه آذان ساكني الأرض، لله الأمر من قبل ومن بعد..
▪︎ يا صاحبي، هؤلاء القادة، ومنهم قائدنا الفذ فازوا بعظيم ما وعد به الربُّ عباده الشهداء، هم قوم عرفوا ما قصدوا فهان عليهم ما وجدوا في سبيل غايتهم.
▪︎ يا صاحبي، هي موتة واحدة، وموعد غير مخلف، فاجعل ما بقي من عمر في غاية عظيمة، وقضية خالدة، تشرف بشرف الانتساب لهؤلاء العظام، فتلحق بالمواكب النورانية الخالدة.
وحسبي أن أذكر بهذه الأبيات التي رددها قائدنا الفذ لما طلب منه الاستقالة لأنه لم يعترف بالعدو!!
أنا لا أُقيل ولا أَستقيل، أقول ما قالت الأسود
أنا من كنانة سيد الثقلين صاروخ جديد
على الزناد أصابعي فإذا انطلقت فلا أعود
لا ينقص الأجل المسمى في الكتاب ولا يزيد
أنا من بني القسام فإن مادت الجبال فلا أميد.
▪︎ وبشارتي لمن اكتوى قلبه، وذرفت عيناه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت لما سمع باستشهاد عزيزنا وحبيبنا، أسوقها لكم، من مشهد عظيم في موقعة عظيمة، حيث ارتقى فيها صحب عظيم من أصحاب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
أخرج الحكيم وأبو نعيم أن الصحابة رضي الله عنهم بكوا لما قتل في غزوة مؤتة السيـدان الجليلان زَيْد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ما يبكيكم؟
قالوا: وما لنا لا نبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبكوا، فإنما مثَل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها، فاجتث زواكِيها [أي شذب وقطع أطراف أشجارها لتنمو]، وهيأ مساكنها، وحلَقَ سَعَفها [قطع أغصان نخلها لتنمو].
فأطعمت عاما فَوْجا، ثم عاما فوجا، ثم عاما فوجا. فلعل آخِرها طَعْماً يكون أجودها قنوانا وأطولها شمراخا [القنوان والشمراخ فروع عنقود التمر وأصوله]. والذي بعثني بالحق ليجدن عيسى بن مريم في أمتي خَلَفا من حوارييه!
كتاب سنة الله صفحة 319.
رحم الله تعالى القائد الفذ أبو العزم، ورفع قدره في مقعد صدق عند مليك مقتدر في أعالي الجنان، وجعل ارتقاءه حياة لأمته، وبشارة نصر لأهلنا في عزة وفلسطين، وربيعا يزهر به يوم أمتنا وغدها ومستقبلها، حيث العدل والكرامة والحرية.