جلس فضيلته ليجيب على سؤال عن الفارق بين الحمد والشكر فشرّق وغرّب وأتي بمعان جيدة لكنها بعيدة كما قلت له فسألني وما هو القريب إذن؟، فأجبته في دعاء نبينا في الصباح والمساء إجابة مفصلة وفاصلة (اللهم ما أصبحنا به من نعمة أو بأحدٍ من خلقكَ فمنك وحدك لا شريك لك. فلك الحمد ولك الشكر)، وفي (نا) في قولك أصبحنا أو أمسينا ما يفيد النعم العامة التي يتنعم بها الجميع، وفي قولك (أو بأحد من خلقك) ما يفيد النعم الخاصة بكل فرد على حدة، فلك الحمد على النعم العامة ولك الشكر على النعم الخاصة، وموافقات ترتيب (نا، بأحد من خلقك)، يتوافقان مع ترتيب الحمد، والشكر، ولذلك فنحن نسجد سجدات الشكر على النعم التي نتنعم بها فرادي فهذا يتزوج، وهذا ينجب وهذا يتفوق في دراسة وهذا يتحصل على عمل جيد وراتب متميز وهذا ينجح في إجراء جراحة لمريض وهكذا وهكذا.. وبذلك يتضح الفارق بين الحمد والشكر من مجرد القراءة المتدبرة لواحد من أدعيته صلي الله عليه وسلم.
وكذلك تجد مفسري القرآن يدبجون صفحات في تفسير كلمة (الصمد) من سورة الإخلاص وتراهم كأنهم يتعمدون البعد عن التفسير التلقائي المباشر الذي يلي كلمة الصمد مباشرة، ولا أدري هل كنت غبيا وأنا أدرك هذه الحقيقة من أول ما قرأت هذه السورة في بكورة اهتمامي بالقرآن، فقلد أدركت أن كلمة (الصمد) معناها (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، وتخيلت قرب مادة المُصمد من المصمت الذي لم يتفرع عن شيء ولم يتفرع عنه شيء.
لو عزم قلبك على الإفادة من القرآن في تفسير القرآن لوجدت مقابلات كثيرة مفسرة، فمثلا (صبار شكور) في مقابلة (ختار كفور)، (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)، فهذه الآية وحدها تدخل كل أعمى في مصائر أهل الضلال، بينما حلها في آية من ذات كتاب الله (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
ويريحك القرآن جدا ويجعلك حاسما غير مرتبك ولا متردد في أحكام كثيرة شاع فيها اختلاف الفقهاء مثل وجه المرأة هل هو عورة أم ليس بعورة فقط حينما تقرأ الآية مقدمة سورة النور (أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات) فهذه المقدمة تقول أن هذه الآيات البينات الظاهرات الواضحات لا تحتمل إلا قولا واحدا وليس قولين ولا أي خلاف علمي أو فقهي، فإجلالك لكلمات القرآن توقفك عند قول واحد لآيات الله هذه بالذات، ولا يتلكأ عن هذا الفهم إلا مُقلد سقيم يدع طريقا سالما ليتعثر في وهاد ومتاهات هو من صنعها ويصير على التعثر فيها .
لست سطحيا ولا معقدا ولا متعمدا مخالفة علماء أجلاء ولكني أرى أن بساطة التلقي التلقائي الفطري يوفر علينا كثيرا من السباحة العشوائية في لجى متضاربة الأمواج أو حاطبي ليل دامس غاب عنه القمر أو حتى نصف قمر.