الأحد أكتوبر 6, 2024
أقلام حرة

عادل الشريف يكتب: كيف يتهمون تراثنا الأغلى بالنقص؟

مشاركة:

شهدت اللغة العربية صفوة من الأصفياء الذين قاموا بجهود إعجازية على حد قول عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) فالرجل يرى في فتوحات الله على سيبويه فتوحات إعجازية فخمة ضخمة خاصة لما سجل سيبويه تصنيفا جديدا لأفعال ماضية وليست بماضية ومضارعة وليست بمضارعة وأفعال أمر وليست بأمر مثل قولك (غفر الله لك) فهل فعل غفر ماضيا بل قال عنه سيبويه (على مثال الماضي)، وكذلك قولك (يرحم الله أباك) فليس يرحم فعلا مضارعا ولكنه على مثال المضارع كما عند سيبويه، (رب اغفر وارحم واعف وتكرم) فهل هذه أفعال أمر فحاشا لله أن يخطر ببال أحد أن يأمره، فهذه الأفعال على مثال الأمر كما قال سيبويه، وتجد سيبويه يتألق أكثر عند تصنيف أفعال مثل التي جاءت في حديث النبي (قاتل النفس يُقتل، والزاني المُحصن يُرجم) فهذه أفعال ليست مضارعة مبنية للمجهول، ولكن زمانها كما قال سيبويه (أزمنة مفتوحة مبهمة… لحين تحقق فعل الاستحقاق فثم زمن الفعل المبني للمجهول).

ولعلني كنت مضطرا لتلك الإشارات لتقف صديقي القارئ على واحدة من مجهودات الذين اصطفاهم الله وشرفهم بالمشاركة في حفظ لغة القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وربما كانت لوحة تسجيل بداية التقعيد والتأسيس لضوابط اللغة جديرة بالسياق، فلم تكن ابنةُ أبي الأسود الدؤلي يخطر ببالها وهي تحادث أباها ذات ليلة (ما أجملُ السماء) فرد ابوها (نجومها)، فقالت ما لهذا أردت ولكني أردت أن أتعجب من جمال السماء، فقال إذن تقولين (ما أجملَ السماء) بفتح اللام وليس بضمها لوزنها على أفعل التفضيل، ثم في صبيحة اليوم التالي مباشرة استأذن على أمير المؤمنين يومئذ (أبي جعفر المنصور) ليصرخ مهموما: لقد بدأ العرب يلحنون في لغة القرآن، فالذي شغله وأسهره مهموما وأصرخه في ساحة السلطان الأكبر للأمة الإسلامية هو الغيْرة على اللغة لا من حيث أنها لغة فقط فكل اللغات تعرضت للتحريف والاندثار، ولكن من حيث أنها لغة القرآن، فانتدبه أمير المؤمنين للتقعيد للغة القرآن (قعّد لها يا أبا الأسود).

ثم إنك ترى وتسمع عن الخطط المعادية التي تزدري وتنتقص من شأن اللغة الأم في بلاد الإسلام وترى الاهتمام والتكريس للاهتمام باللغات الأخرى في ذات بلاد الإسلام، فهل الأمر مصادفة، ولكنه الشيطان يا سادة مثلما يحفظ الله القرآن بحفظ اللغة والحديث، سيأتي الشيطان أيضاً ليقعد لنا على صراط ربنا المستقيم من سبل كثيرة أهمها اللغة والحديث، وهكذا أرى عدنانا وطه حسين وفرج فودة وكل رواد العلمانية الذين يسوغون للأمة الانتقاص من شأن لغة القرآن والسنة المشرفة، وإذا كان تصوري الشخصي لقعود الشيطان بعرض الصراط كله (لأقعدن لهم صراطك المستقيم…) ثم القطع المجاورة للصراط لمن ينحرف شيئا يسيرا فيفكر في العودة من قريب فيجد قعود الشيطان محتلا هذه المساحة أيضا (الصراط، وقعود الشيطان بهذا العرض الزائد ألا يمثله الصليب الذي أضحى شعارا لأكبر انحراف بشري)، فإذا كانت مؤسسة راند الأمريكية الناتجة عن أكبر دولة منحرفة عقديا وأخلاقيا تهمس في أذن خواصنا بنبذ اللغة والتهوين من شأنها، واتهام المسانيد التي تحمل سنة نبينا كتطبيقات لإقامة الكتاب.. ألا يضعنا ذلك أمام مسئوليتنا في مواجهة هذا العداء الأضخم في تاريخ أمتنا لأنه يريد إزاحتنا عن كل الصراط المستقيم، أليس القرآن هو الكتاب المشتمل على للصراط المستقيم؟، فأنت تدعو طالبا في آخر سورة الفاتحة (إهدنا الصراط المستقيم)، ولما كان موعود الله (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، فتأتي إجابة الله لطلبك في الصفحة المقابلة مباشرة من أول سورة البقرة وحتى آخر سورة الناس.. وهذا الصراط مهدد فهل نصمت؟!

Please follow and like us: