مقالات

عامر شماخ يكتب: القضيّةُ الفلسطينيّةُ.. فتاوَى شرعيّةٌ [2]

والحقُّ الثابتُ للمسلمين في فلسطين لا تسقطه معاهدة ولا وعد ولا وثيقة، ولا حلول سياسية، والمسلمون غير معنيين بأيٍّ منها؛ ذلك لأنها اتفاقيات إذعان أُبرمت من غير مشورة المسلمين، وأنها أقرّت اليهود على ما أخذوه من أرض الإسلام عنوة وغدرًا، وأن بها فسادًا بارزًا لدنيا ودين المسلمين، والأصلُ: العملُ على إسقاطها، وتوحيد الأمة على التصدي لعلوّ اليهود، فإذا تخيل البعض أن فيه مصلحةً للمسلمين فهي للعدو أعظم، كما أن المقرر في الفقه الإسلامي: (إذا تعيَّن الجهادُ بطل الصلح، كما إذا دخل العدو أرض المسلمين أو كان طالبًا لهم)، والإجماعُ منعقدٌ على حُرمة التنازل لأعداء المسلمين عن شبرٍ من أرض الإسلام فضلًا عن السماح لهم بإقامة دولةٍ في دياره.

 ويندرج ضمن هذا السياق فتوى الشيخ «حسن مأمون»، مفتي الديار المصرية الأسبق، حول بيان الحكم الشرعي في الصلح مع «إسرائيل»: (فإذا كان على أساس ردِّ الجزء الذي اعتُدِي عليه إلى أهله كان صلحًا جائزًا، وإن كان على إقرار الاعتداء وتثبيته فإنه يكون صلحًا باطلًا؛ لأنه إقرار لاعتداء باطل، وما يترتب على الباطل يكون باطلًا مثله).

 وهذا ما أكدته لجنة الفتوى بالأزهر في يناير عام ستة وخمسين التي حرّمت الصلح مع الصهاينة (لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على دعواه).

أما بخصوص التطبيع فيُقصد به أن تُقبلَ «إسرائيل» من دول وشعوب المنطقة ويُعترف بها كجارة، وبالتالي تحويل آليات الصراع إلى المهادنة والاستسلام، والغرض منه: كسر الحاجز النفسي بين المسلمين واليهود، وإلغاء المقاطعة، وتهيئة الظروف لاستقبال المزيد من الصهاينة على أرض فلسطين، ومن ثمَّ استكمال محاولات التوسّع لتنفيذ حلمهم التوراتي المزعوم بإقامة دولتهم الممتدة من الفرات إلى النيل.

 وحكمُهُ حكمُ المتخاذل عن النصرة والدفع، وهو في رأي العلماء خروج وردّة عن الإسلام؛ إذ لا يجوز التعاون مع العدوّ فيما يثبته على بلاد المسلمين، قال الشيخ «عبد العزيز بن باز»: (وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافرٌ مثلهم)، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين).

 وهو صلح باطل؛ لما فيه من الشروط الباطلة المضادة للإسلام، يقول الدكتور يوسف القرضاوي: (هؤلاء الخونة، الذين يعاونون أعداء أمتهم على الإثم والعدوان، هؤلاء حكمهم حكم اليهود المحتلين؛ لأن ولاءهم لهم، وعونهم لهم، بل الحق أني أرى هؤلاء شرًّا من اليهود الغزاة المعتدين، فإن اليهودي عدو واضح معروف، وهذا عدو من جلدتنا، ويتكلم بلساننا، فهو من المنافقين الذين قال الله عنهم: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا»، فالمنافق شر من الكافر).

وهناك إجماعٌ شرعيٌّ على وجوب مقاطعة المنتجات الأجنبية التي يمكن أن تساعد الكيان الصهيوني وتسيء إلى مصالح الفلسطينيين، وقد صدرت هذه الفتاوى عن عشرات من علماء الأمة الثقات ومؤسساتها وهيئاتها الدينية منذ نشأة هذه الكيان وحتى أحداث طوفان الأقصى في أكتوبر ألفين وثلاثة وعشرين؛ فقد اعتبرها الشيخ «محب الدين الخطيب»: (أمضى سلاح بأيدي العرب، وهي عنوان الرجولة والحزم، والأمة التي تثبت على مقاطعة من يسيء إليها تشعر الأمم كلها بالحرمة لها، وفي مقدمة من يحترمها أعداؤها).

[يتبع بمشيئة الله تعالى].

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى