عبد الرحمن بشير يكتب: هل وجدت نفسك في زمن الخوف من الفكرة؟
صوفي بلا خرافة، سلفي بلا تنطع، حركي بلا انغلاق، عقلاني بلا تجاوز، هذه هي هويتي الفكرية، لست بلا انتماء، ولكن لدي انتماء متكامل، ولست في قفص محدد، ولكنى لا أرفض أن أعيش مع مجموعة متجانسة، ومتفاهمة، ومتعاونة، ولكنها لا تحارب التجديد، ولا تخاف من المفكرين الأحرار، ولا من المبدعين الذين ينطلقون بلا خجل نحو الغايات.
أن تكون صوفيا بلا خرافة، يعنى الزهد وتحقيق الإحسان، وأن تكون سلفيا بلا تنطع، يعنى أن لا تأخذ كلاما بدون دليل، وأن لا تتبع شخصا بلا حجة، وأن تكون حركيا بلا انغلاق، يعنى أن تعيش عصرك، وتتحرك للدين بلا توقف، وأن تعيش لفكرة، ولا تبيع دينك للحكام والسلطات، وأن تكون عقلانيا بلا تجاوز، يعني أن تستخدم عقلك، وترفض أن يستقيل عقلك من التفكير، أو أن تمنح عقلك للشيوخ والحكام، فيفكروا نيابة عنك، وبهذا تكتمل شخصيتك في هذه اللحظة. هكذا أفكر أن أكون، فكيف تفكر عزيزي أن تكون في زمن الانتماء؟
أعيش في جماعة، ولكني لا أفقد ذاتي فيها، وأرفض الجماعة التي ترفض الانتماء في هذا الزمن بحجة أن الانتماء بدعة، وهي تنتمي إلى مدرسة (الفكر السلفي الجديد)، الانتماء فطرة، لا يوجد في الكون من لا نسب له، هناك مسلم مذهبي، له مذهب عقدي، لأنه يتمذهب بالمذهب الأشعري، أو الماتريدي، أو التيمي الحنبلي، وهناك مسلم له انتماء مذهبي فقهي، وهناك من ينتمي إلي المذهب (اللامذهبي)، وهو مذهب جديد قديم، هناك من يأخذ ظاهر النص، ولدينا من يأخذ فحوى النص، وعندنا من يجمع ما بين الفحوى والظاهر، بل وهناك من يدعى أنه مقاصدي، وهناك من يرفض فقه المقاصد (أبو يعرب المرزوقي) نموذجا، وعندنا من يرى وجود مقصد المقاصد (الريسوني) نموذجا، المهم، الجميع لديهم انتماء، وحتى هؤلاء الذين يرفضون فكرة الانتماء لديهم انتماء عقدي.
نعيش في لحظة المنظمات الكبرى، والهيئات العظمى، ومع هذا، عندنا من يرى التنظيم بدعة، والتخطيط فكرة غربية، بل وعجبت من يحارب الديمقراطية، لأنها دين غربي، ولكنه يرى الاستبداد دينا، والسلطة المطلقة شرعا وسنة، فهو يقبل الحاكم أن يأخذ أموال الناس غصبا، وأن يضرب الشعوب ظلما، وما على الشعوب إلا الصبر والتقوى، ولهم الجنة إن فعلوا ذلك، نحن اليوم نعيش في زمن تصنع المخابرات دين الناس، وتصك السلطات مشاريع التقرب إلي الله، وتصبح المساجد خرابا، والبارات عامرة، ونعيش في زمن يسجن العلماء والمفكرون في جزيرة العرب، ويشتري اللاعب (بغال في الجسم، عصافير في الأحلام) بالملايين من أموال الأمة، بل ونعيش في زمن قال عنه الغزالي رحمه الله (أمة تكرم التافهين، وتقتل المبدعين).
أرفض كل ذلك، وأعيش في حرقة، ولكنى أعيش حرا وكريما، وأشعر بالسعادة بلا حدود، لأن عقلي حر ومستقل، وأعيش مع الأحرار، وفي بيئات حرة، لا أحد يقول لي افعل كذا، أو أترك، بل أنا أقرر ما أفعله، ولا أحترم سوى الدين منهجا، والقانون عرفا، والعهود ميثاقا، والحقوق فطرة.
ليس من الصواب أن تعيش في زمنك، ولكن بغير شروطه، أو أن تقبل العيش فيه، ولكن بدون رسالة، أو تزاول فيه مهمة من مهمات الحياة، وبشروط الزمن، ولكن تبتعد عن الدين القويم، والمنهج السوي، وليس من الصواب أن تعيش في هذا الزمن الجاد وأنت تلهو وتلعب، وتحسب أن الحياة ميدان الكسالى، ومن أخطر الكسل في هذا الزمن، الكسل الفكري، كيف تفهم الحياة بدون قراءة لعالم الأفكار، وخاصة فيما يتعلق بالسنن الكونية والاجتماعية.
في هذه اللحظات بزغ فجر جديد من المغرب العربي، هناك أفكار جديدة، ولكنها تنطلق من الإسلام مرجعا، لدينا المفكر الموريتاني الشنقيطي وكتابه العظيم (الأزمة الدستورية)، ويتألق إلى جانبه الأستاذ محمد الطلابي وإشراقاته في عالم السنن، والأستاذ عبد الرزاق مقرئ، ودراساته الرصينة، والأستاذ الريسوني وأفكاره المقاصدية، والأستاذ أبو يعرب المرزوقي ومدرسته الفلسفية، وهل هذا دليل على (شروق الغروب، وغروب الشروق)؟ ربما، أم هذا يدل على الإضافات المغربية من زمن بعيد، من أيام ابن رشد، وابن خلدون، وابن حزم، والشاطبي، وغيرهم.
بقيت إضافات الإنسان المسلم الأسمر في القارة الأفريقية، أم اختار هذا الإنسان التلمذة الأبدية؟ على كل حال، فالزمن ليس قاسيا علينا، ولكن القسوة تأتى من جانبنا، والحياة ليست صعبة، ولكن نوعية التفكير عندنا مشكلة بحاجة إلى تعديل، لماذا ننتظر؟ ولماذا نصبح بلا مبادرات؟ إنه تساؤل شرعي فقط، وشكرا.