عبد الله سعيد الصامت يكتب: في ذكرى استشهاد المفسر الملهم
إنه في يوم 29من شهر أغسطس 1966 استشهد سيد قطب، عبقري الإسلام، والمفسر الملهم، والمفكر الأكبر في القرن العشرين.
تعالت صيحات الاستنكار، في طول الشارع العربي، والإسلامي وعرضه، منددة بهذا الحدث.
أرسل الشيخ عبد العزيز بن باز، والملك فيصل، وحاكم باكستان، وغيرهم من الزعماء، رسائل وخطابات يطالبون فيها ألا يعدم رجل القرآن المفكر سيد قطب.
قال العلامة ابن عثيمين: رحمه الله،
العلماء ثلاثة: عالم ملة وعالم دولة وعالم أمة.
فعالم الملة
هو ذلك العالم الذي أخلص لدينه، عرف قيمة الأمر الذي يحمله، وخضع لأوامر ربه وأحبها وطبقها وان كانت مكلفة، واحتقر الدنيا، وتجرد منها، ونظر الى ما عند الله واستعد بالصبر والثبات، لمواجهة النتائج، فلا ترده مصلحة، ولا يثنيه خوف، انما يقول الحق ويصدع به، لا يخاف في الله لومة لائم.
أما الثاني فعالم الدولة، وهو (عالم السلطة)
كما قال: يدور مع الحاكم حيث دار، يطلب رضاه، في سخط ربه يحسن اعماله ويزينها وان كانت قبيحة، ويتقرب إليه، على حساب آخرته، ويسعى في كسب وده، لينال ما عنده، ولو على حساب دينه.
وأما الثالث فعالم الأمة،
فهو ذلك العالم، الذي يجعل من هوى الجماهير، رقيباً عليه، يكيف النصوص، ويلوي عناقها، بما يوافق مصالحهم ورغباتهم، واتجاهاتهم ولا يحب ان يخالفهم فيخسرهم، فيرضيهم على حساب الحق، من اجل كسبهم فقط، ولو خالف حقيقة الدين.
عالم الملة، هو ذلك الذي ناصر قضايا الأمة، ووقف مع أوامر الله ونواهيه، واستقام كما أمر، فهو العالم الثقة، الذي يؤخذ منه العلم، وهو القدوة الحسنة، وهو المرجعية، التي ترجع اليه الأمة، حين تتعرض للمحن والشدائد، وهو الذي يقول: الحق لا يخاف في الله لومة لائم، وان دفع ثمن مواقف الكثير، فهو لا يبيع، دينه بعرض من الدنيا، ولا يرضي أحد بسخط الله.
كان هذا العالم، حاضراً، عبر التأريخ الإسلامي، وكانت تحتاجه الأمة، مرجعاً في قوتها وضعفها، وحزنها وسرورها، وربحها وخسارتها وانتصاراتها وهزائمها، واخفاقاتها ونجاحها، وكان يدفع ثمن مواقفه، التي تتصادم مع اهواء الحاكم، في اغلب الأحيان.
لقد كان هذا العالم، بسبب مواقفه المنحازة، لدين الله الحق، يجد نفسه أما مقتولاً كسعد بن جبير، والنسائي، والقاضي عياض، ونعيم بن حماد، أو يموت معزولاً كالبخاري، أو مسجوناً، كشيخ الإسلام ابن تيمية، أو مطارداً، كالأوزاعي وابن حزم وسفيان الثوري، أو يموت محاصراً كالطبري، أو مضروباً كالشافعي.
لا زال هذا العالم، عبر التاريخ الإسلامي، يقتل، فقد قتل سيد قطب، كما قتل سعد بن جبير، وما يزال، مشرد في البلدان، كما يشرد علماء اليوم في الامصار، او يقبع خلف القضبان، كما هو حالهم اليوم، في ارض الحرمين، ومصر الكنانة، الذين، تزدحم بهم سجون، الأنظمة المستبدة المعادية للشعوب، في كل مكان، وسيظل هذا الصراع قائم، بين هذا النوع من العلماء وخصومهم، الى قيام الساعة.