عبد الله وائل يكتب: التعذيب وحكمه في الإسلام
عاش المسلمون عقودًا طويلة من الزمان لا يعلمون خلالها شكل الحكم بالإسلام، ونظام العقوبات في الإسلام، فأصبح كثيرٌ من الناس، لا يأتي في عقولهم عند طرح موضوع الحكم بما أنزل الله؛ أنَّه حكم رحمةٍ، ورعاية، ومحافظة على أمن الناس وراحتهم، وأنَّه أقوم، وأعدل، وأرحم من الأنظمة الوضعية الحالية بفروق كثيرة وكبيرة، ولا يصح المقارنة بين نظام إلهي محكم لرعاية الإنسان، ونظام وضعي ظالم لاستغلال الإنسان وسحق آدميته.
ففي الإسلام لا كرباج من حديد -ينقع بالملح ثلاثة أيام- لتعذيب المعتقلين بسببٍ أو بلا سبب، ولا صاعقَ كهربائيٍ لاستخراج معلومات سرّية، ولا غيرها من فنون التعذيب التي تستمر ربما عقودًا في سجون الظالمين بلا محاكمة حتى في قانونهم الوضعي الجائر.
فقضية الاعتقال والتعذيب كانت من الأسباب الموجبة للثورة على الحكام في الربيع العربي، مع غيرها من الأسباب: كالولاء للغرب، وسرقة الخيرات، والحكم بأنظمة، وضعية بائسة وفاسدة، ومع الأسف الشديد استمرت هذه القضية، وتفاقم أثرها بشكل فظيع عند نظام بشار المجرم، فكانت صور قيصر، وشهادات الناجين من المعتقلات، تصف صنوف العذاب البشعة، وألوان التصفية الوحشية، وكل ذلك لأن المجرم أمن العقوبة، وتمت حمايته من النظام الدولي الغاشم.
وبنفس المعاناة تسربت إلى صفوف الثورة أمنيات الفصائل التي تشكلت على سمت أجهزة النظام القمعية، وسمعنا عن حالات مشابهة للاعتقال، والاخفاء القسري، والتعذيب، والتنكيل، والقتل. ولذلك ينبغي وضع هذه القضية على طاولة البحث لتحذير الغافلين، وإيقاف المتجاوزين عند حدودهم، فنقول والله المستعان:
في الإسلام لا يحق لأي كان، تعذيب أي إنسان حتى ضرب الولي للولد، أو ضرب الزوجة في حالات، فهو ضرب تأديب غير مبرح، وليس ضرب تعذيب وترويع.
ولا يحق للوالي، أو الحاكم، أن يعذب تعذيبًا بالضرب، أو الإهمال الصحي لمن لا يطيع أمره؛ بل إن هناك طُرُقًا نصَّ عليها الشرع للمخالفين، والمذنبين، والمتجاوزين حدود الله، قدرها الشرع الحنيف، وأوجب تنفيذها من قبل الدولة بالعدل، وبعد ثبوت البينة، ولا يختلف عاقل على أنها أكثر فعاليةً في ضبط المجتمع، وأنها ليس لها شأنٌ بالعقوبات القائمة اليوم من قريب أو بعيد.
أمّا أنه لا يوجد في الإسلام تعذيب بالضرب، وبلا محاكمةٍ لِمَن يشتبه به، فهو يتمثل بقوله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرَهما، قومٌ معهم سياط كأذنابِ البقرِ يضربون بها الناس..» رواه مسلم. وروي في جامع الأصول أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: (إني لم أبعث عمّالي ليضربوا أبشاركم، وليأخذوا أموالكم، من فُعِلَ به ذلك فليرفعه إليَّ أقصّه منه، فقال عمرو بن العاص: لو أن رجلاً أدَّب بعض رعيَّته أتقتص منه؟ قال: إي والذي نفسي بيده، ألا أقصه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقصَّ من نفسه).
وفي دولة الإسلام، الأصل عصمة الأنفس، والأموال، وبراءة الذمة، ومن ثبتت عليه تهمة عند القاضي ببينة شرعية، يُستدعى من قبل القاضي ليحاكم، ثم يعاقب، وذلك بعد ثبوت التهمة، فلا يعذب أحد، ولا يعاقب أحد قبل صدور حكم القاضي، ومن يفعل ذلك فإنه يكون ظالماً ومخالفاً لأحكم الشرع، وهو الذي يستحق العقوبة؛ فيعاقب بقدر ظلمه كما جاء في قصة عمرو بن العاص أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ولا يجوز التعذيب بالحرق بالنار لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإن النار لا يعذب بها إلا الله». ويحرم التعذيب بكل ما هو من جنسها، وكل ما فيه خاصية الإحراق، كالكهرباء وما في حكمها، والمقصود هنا تعزير من خالف ووقعت عليه التهمة، وليس مطلق التعذيب الذي يخوض فيه المتجاوزون، ويقترفه الجلادون المنحرفون عن هدي نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا هو دين الرحمة حيث يجمع بين الحفاظ على سلامة المجتمع، وأمنه، وسلامة أفراده، ولو كان هناك متَّسع لذكرنا بعض القصص عن رأفة الإسلام بالمذنبين، و #حرمة التعذيب للإنسان، ورأس هذا كله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《كلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله》.
عبد الله وائل/ باحث في الدراسات الإسلامية.