أقلام حرة

على بركات يكتب: الاقتصاد وثلاثية.. الحرية المدنية والسياسية والسيادة (4)

التحرر المنقوص واستهداف السيادة.

من شواهد التحرر المنقوص خروج القدم مُحمله بالجسد المنهوك مع ترك الرأس يدير، يدبر الأمر، كالحية يتلمظ، مستهدفاً للسيادة وعينية صوب البحار ومعينها، وباطن الأرض وما تحويه من كنوز، هذا ما تم تدشينه بالتوازي مع تدجين نُخب مُصطفاة صُنِعَت على عين المُستعمر، ترى بعينه، ارتضت طوعًا القيد، ابتاعت الرحابة بضيق مساحة حرية الحركة، ليس لديها، سوى هامش خنق الرعية برضى السيد صاحب التعيين، ولِما لا !، فالذي يمنح هو الذي يحدد المقدار والقياس المعياري، والمقادير والقياسات المعيارية أحد أهم المحددات في علم الاقتصاد الذي هو فرع من فروع العلوم الاجتماعية وفى مقدمتها السياسة، الذي لا يحمل مدلولاً حقيقيًا (أي الاقتصاد) اصطلاحا أو لغويًا من زاوية التطبيق على الجغرافيات منزوعة السيادة!.

مآلات القبول بشروط صندوق النقد الدولي.

في إطار ربط ما سلف من السياق باللحاق نؤكد أنه فى الحالة المصرية يلعب البنك الدولي وصندوق النقد دوراً ،ثعلبيًا، في سلب المزيد من السيادة، وهى العمود الفقري للوجود الاستراتيجي بين الأمم كرقم، فعندما يُملي البنك المركزي على المُقترض شروطًا تعجزيهً أثناء التفاوض، فالمقُترِض في حاله خيار، وفى حالة القبول فقد ألزم المُقترِض أجهزته الوطنية بأن تنفذ وتخرج من حالة رفاهية التشاور والتخطيط، بما يناسب الظرف الاجتماعي والمتاح القيام به، قبل الرضوخ لشروط البنك الدولي، وهذا ما تعاني منه مصر الآن وأوقعها في مستنقعٍ آسنٍ مُرغمه على بيع أصول مصرية عريقة للمستثمر الأجنبي، ومُجبره على تعويم عملتها المحلية الجنيه في ظل ظروف غير موائمه لذلك، وإدارة تفتقر للمهارة العلمية لإدارة منظومة الاقتصاد وفق معطيات الثروات المتاحة، والعارف بالتطبيقات الاقتصادية على أرض الواقع يعي تمامًا أن ثمة علاقة عكسية بين الشرطين أو الحلين الذي أوصى بهما صندوق النقد الدولي مصر، فالتعويم يتطلب شرطين موضوعيين أساسيين، أولاهما توفير سيوله من العملات الأجنبية في السوق ، ثانيًا قفزه إنتاجية مناسبة، وهما غير متحققان في الحالة المصرية للأسباب التي أشرنا إليها سلفًا!، وبيع الأصول من أعنف الشروطات التي تشترطها المؤسسات الدولية المُقرِضة، فالعائدات الدولارية من بيع أصول الدولة لسداد الدّين وفوائده!، وهذا في حد ذاته يعوق عملية التعويم الذي هو أحد اشتراطات صندوق النقد الذي يتطلب مقابل مناسب من السيولة النقدية من العملات الأجنبية لتمرير شرط التعويم وإنجاحه!.

تاريخ الخصخصة وبداية بيع أصول الدولة المصرية.

في الواقع بيع أصول الدولة المصرية (الخصخصة) بدأت بوادره في العام 1991 فترة الرئيس السابق مبارك، فقد أصدرت الحكومة المصرية آنذاك القانون رقم(203) الذي حدد قائمه تضم 314 شركه من شركات القطاع العام للخصخصة خضوعًا لشروط صندوق النقد الدولي، وتم بيع غالب الشركات في البورصة وللمستثمرين.

تعارُض الرؤية الإسلامية مع ثنائية الحكم ورأس المال.

 استحواذ المؤسسة العسكرية على نسبه قُدِرت 60 بالمائة من إجمالي الاقتصاد في قطاعات حيوية كبير، تُعدْ أحد المعضلات التدمرية التي تعوق تقدم عجلة الاقتصاد المصري، ويعود ذلك لسببين رئيسيين أولهما وأخطرهما أن المؤسسة العسكرية هي ذاتها المؤسسة الحاكمة، والمُشرّعة ضمنًا، وهنا تكمُن الخطورة.. أن تكون المؤسسة الحاكمة مستثمرة ومعزولة عن طبقات الشعب ولديها مشاريع ربحيه وسوق لترويج منتجاتها، في ذات الوقت تحكم وتُشرّع، فحتمًا ستصب تشريعاتها لصالحها.. وبالطبع سيعوق التنافسية الحقيقية، لأن المؤسسة تمتلك أدوات الدولة للترويج لمنتجاتها.. وتُسهيل وصولها للسوق سواء المحلية أو الخارجية، وبأسعار أقل، لعدم خضوعها كغيرها للقانون الضريبي الربحي ورسوم الغاز والكهرباء وما يستلزم من طاقه لإدارة مصانعها..مع وضع يدها السيادية على الموارد الخام!، وهنا يصطدم الواقع مع الرؤية الإسلامية التي لا تُجَوّز اجتماع ثنائية ،الحكم، وممارسة النشاط الاقتصادي، في حاكم الرعية، وقد أسس لهذا المفهوم الصحابة الجليل عبد الرحمن بن عوف.. حيث كان يدير بيت المال، عندما قابل الصحابة الجليل أبى بكر الصديق خليفة المسلمين آنذاك.. وهو يحمل على كتفيه بعض الأغراض لبيعها.. وهنا سأله الصحابي عبد الرحمن بن عوف.. إلى أين ياأمير المؤمنين؟!.. فأردف الصديق قائلاً للعمل، أليس لي أولاد أسعى من أجل إطعامهم.. وعلى الفور جاء الرد من عبد الرحمن بن عوف (وهو بمثابة وزير المالية في الاصطلاحات الحديثة للدولة) عود يا أمير المؤمنين سنجعل لك خرجًا من بيت المال.. فلقد وليت أمر المسلمين!.

 اتفاق رؤية ليد بروك في ثنائية الحكم ورأس المال مع الرؤية الإسلامية.

فى هذا الصدد يشير البروفيسور في جامعة بروكسل في مؤلفه (ضد الانتخابات) أن الانتخابات في أوروبا قادت إلى سيطرة رأس المال على المؤسسة البرلمانية.. ولهذا سارت عملية التشريع ،تخدم، مصلحة الطبقة الرأسمالية المحلية، أكثر من خدمة جمهور الأوروبيين.. ولهذا يجب إعادة التفكير في هذه الصيغة، لأنها تخلق حاله من الفقر فى المجتمع يتسع مع الوقت فتزداد قاعدة الفقر ويزداد الفساد في النظام الأوروبي.

فرؤية البروفيسور (ديفيد ليد بروك) اللاحقة لخطورة (ثنائية الحكم ورأس المال)، تتفق مع (الرؤية الإسلامية) السابقة على الخلاصة التي أدمغها، ديفيد ليد بروك، فى كتابه، ضد الانتخابات، إذاً ثنائيه (الحكم، ورأس المال) من عوامل الهدم.. وتأتى بنواتج لا تُحمد عقباها، والحالة المصرية منذ عهد الرئيس السابق مبارك مثال جلي، في أواخر عهده استشرت هذه الثنائية بشكلٍ لافت حول إدارة الاقتصاد من المؤسسة الرسمية لإدارة هوى أفراد أعضاء الحزب الوطني الذي كان يمثله رئيس الدولة آنذاك، وحديد عز أحد تفصيلات هذه الجزئية.

في الجزء التالي والأخير سنأتي بأمثله لأقطار عربيه أخرى قد أشرنا إليها سابقًا واقتصادياتها المُلحقة إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights