بينما تمطر غزة بلهيب القنابل، وتصعد أرواح الشهداء يوميًا، تلوذ معظم العواصم بالصمت أو الحسابات، وتتراجع أصوات طالما ادعت الدفاع عن المقاومة، فهل انسحبت الدول من دعم غزة حفاظًا على “كراسي الحكم”؟ أم أن الصراع الإيراني الإسرائيلي فرض توازنًا دوليًا لا يسمح بالتحرك؟ الإجابة ليست بسيطة، لكنها مليئة بالدم والمصالح والتواطؤ الخفي.
العروش أولًا..ثم فلسطين!
يرى محللون أن أنظمة عربية وإسلامية قررت أن بقاءها في السلطة أهم من أي موقف تجاه غزة، فاختارت “النأي بالنفس” أو التنديد الناعم دون دعم فعلي، المراقب السياسي اللبناني سركيس نعوم يصرح بأن: “العديد من العواصم تخشى اهتزاز أمنها الداخلي إذا انخرطت بجدية في دعم غزة”، مشيرًا إلى أن “شرعية الحكم أصبحت مرتبطة برضا القوى الكبرى، لا دعم القضية الفلسطينية”.
إيران..حليف أم ورقة تفاوض؟
إيران، التي طالما رفعت شعار “تحرير القدس”، اكتفت مؤخرًا بخطابات وتصريحات دون تدخل عسكري مباشر لنصرة غزة، المحلل الإيراني المعارض علي نوري زادة يرى أن “طهران لن تخوض حربًا شاملة من أجل غزة؛ بل تستخدمها كورقة ضغط لتحسين شروطها في الصراع النووي”. في المقابل، يقول الباحث الأمريكي كينيث كاتزمان إن “إيران تريد الحفاظ على صورة داعم المقاومة دون أن تتحمل كلفة الحرب”.
توازن الرعب..لا مكان لغزة فيه
يصف مراقبون الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل بأنه صراع ردع متبادل، حيث لا يرغب أي طرف بالانجرار إلى مواجهة شاملة. وضمن هذا السياق، تصبح غزة مجرد “هامش” يُضحى به، الخبير العسكري عاموس هرئيل من صحيفة هآرتس يرى أن “إسرائيل تضرب غزة بلا حدود، بينما تحذر إيران من التصعيد، لكنها تحصر ردها في حدود مدروسة”.
الفصائل وحيدة..والمجتمع الدولي صامت
مع انسحاب أغلب الأطراف الفاعلة، تبقى الفصائل الفلسطينية في غزة وحدها في الميدان، المنسق السابق للأمم المتحدة في فلسطين نيكولاي ملادينوف عبّر عن “خيبة أمله” من تراجع الدعم الإقليمي والدولي للمدنيين في غزة، قائلاً: “ما نراه ليس فقط تقاعسًا، بل تواطؤًا ضمنيًا على إبقاء غزة تحت النار”.
هل من استثناءات؟
رغم هذا المشهد القاتم، تبرز بعض الدول مثل الجزائر وجنوب إفريقيا وإندونيسيا بمواقف داعمة – ولو رمزية أو قانونية، كما أن الشارع العربي والإسلامي لم يصمت، حيث تشهد مدن عدة مظاهرات حاشدة رغم القمع. الباحثة السياسية ليلى شديد ترى أن “حركات الشارع قد تعيد الضغط على الأنظمة، لكن ذلك يحتاج تنظيمًا واستمرارية”.
فلسطين في مهب المصالح
الحقيقة المُرّة أن غزة، رغم رمزيتها ودماء أهلها، أصبحت رهينة لحسابات دولية وإقليمية لا تراعي إلا المصالح وموازين القوى، وإن كان بعض الحكام قد تخلوا، فصوت الشعوب لم يُكسر بعد، وما زال قادرًا على فضح هذا الصمت المهين..إن أراد، أو حتى يدبر الله أمرا كان مفعولا، أو يستبدلنا بقوم غيرنا، ثم لايكونوا أمثالنا..
” الأمة” يرصدً مواقف الدول العربية والإسلامية من حرب غزة بشكل عام ، اعتمادًا على مواقف رسمية، وتصريحات قادة، وتحركات دبلوماسية أو غيابها.، المواقف ما بين الصمت، والشجب، والدعم الإنساني، والدعم الرمزي أو السياسي، وسنبدأ بالدول الأكثر تأثيرًا:
السعودية.. شجب عام ونداءات لضبط النفس.
ركزت المملكة على الحل السياسي، وأصدرت بيانات تدعو لـ”وقف التصعيد”، دون أي دعم مباشر للمقاومة. تسعى السعودية لتوازن بين طموحات التطبيع ومكانتها الدينية، ولم توقف التعاون الأمني مع الولايات المتحدة.
مصر.. وسيط رئيسي بين إسرائيل والفصائل.
رغم التنديد الرسمي، تفتح مصر معبر رفح جزئيًا فقط. لا تزال تلعب دورًا مركزيًا في التهدئة، لكن تُتهم بأنها تُقيّد إدخال المساعدات، ولديها تحفظ وخطط تجاه المقاومة داخل غزة.
الإمارات.. بيانات تعاطف إنساني، ودعم مالي عبر مؤسسات.
رغم إرسال مساعدات طبية، تحافظ على تطبيعها مع إسرائيل. لم تقطع علاقاتها أو تخفف التعاون الاقتصادي.
وتعاطف إعلامي محدود، وصمت رسمي عن جرائم الحرب.
قطر.. داعم مالي وإنساني وسياسي كبير.
التحليل: تستضيف قادة حماس وتدعم إعمار غزة. تنتقد إسرائيل في المحافل الدولية. لكنها لم تتخذ إجراءات عقابية واضحة ضد الاحتلال، وعلاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة تحد من سقف تصعيدها.
تركيا.. انتقادات شديدة لإسرائيل، واستدعاء للسفير.
أدان الرئيس أردوغان بحدة جرائم إسرائيل، ووصفها بـ”الإرهاب”. رغم ذلك، العلاقات التجارية مستمرة.
و الموقف شعبي ورسمي صاخب، لكنه لا يصاحبه تصعيد فعلي ضد تل أبيب.
إيران.. خطاب ناري، دعم معنوي وتسليحي سابق، لكن دون تدخل مباشر.
تُدين الحرب بشدة، وتدعم “محور المقاومة” سياسيًا، لكنها لم تفتح جبهة عسكرية مع إسرائيل رغم التصعيد.
وتمارس ضبط النفس بسبب توازن الردع والضغوط الدولية.
الأردن.. إدانات رسمية ومظاهرات شعبية.
ااستدعت السفير الإسرائيلي، وحذرت من انفجار الأوضاع. الشارع الأردني نشط للغاية، لكن النظام حذر بسبب اتفاق السلام مع إسرائيل، ولا تزال العلاقات الدبلوماسية قائمة.
الجزائر.. من أبرز الداعمين لفظيًا.
موقف ثابت بدعم المقاومة، ورفض للتطبيع. الجزائر رفعت الصوت في الأمم المتحدة وطالبت بعقوبات على إسرائيل.
ولا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
المغرب.. تنديد رسمي، لكن استمرار التطبيع.
رغم مظاهرات واسعة ضد إسرائيل، لم تجمّد الرباط اتفاقات التطبيع، ما عرّض الحكومة لانتقادات شديدة. والفصل واضح بين الموقف الشعبي والرسمي.
إندونيسيا.. دعم قوي لغزة ومطالبات بمحاكمة إسرائيل.
إندونيسيا بلا علاقات مع إسرائيل، وتضغط دوليًا لنصرة فلسطين، والتحرك محدود بإطار دبلوماسي وإنساني.
ماليزيا.. موقف صلب ضد إسرائيل.
تدعو لمحاكمة قادة إسرائيل دوليًا. لا علاقات بين البلدين، وماليزيا من الأصوات الإسلامية الرافضة للتطبيع تمامًا.
سوريا.. دعم رمزي للمقاومة، لكن دون تحرك عسكري.
رغم الخطاب المعادي لإسرائيل، لم تنفتح جبهة الجولان، وانشغالها بالأوضاع الداخلية والوجود الروسي يقيّد تحركها.
لبنان.. عبر حزب الله، نشط عسكريًا في دعم غزة.
الحزب يفتح جبهة استنزاف على الحدود، لكنه يتجنب حربًا شاملة.و الدولة اللبنانية الرسمية صامتة نسبيًا.
ومواقف الحزب ليست بالضرورة مواقف الدولة.
تونس.. دعم رمزي وشعبي قوي، لكن تحرك رسمي محدود.
بيانات دعم متكررة، والمجتمع المدني نشط، لكن لا توجد خطوات ملموسة على مستوى السياسة الخارجية.