فاتن فاروق عبد المنعم تكتب: القدس.. ملتقى الأنبياء (22)

ماكماهون.. مهندس التنفيذ:
بعد أن نفذت خططهم مع اليهود الصهاينة على الأرض ولم يتبقى سوى التصميم النهائي وبه يرسخ النظام الذي به يضمنون ديمومته دونما اعتراض، قام ماكماهون المندوب السامي بمصر (قبل مجيء اللنبي لفلسطين عام 1917) بتشجيع العرب للخروج من عباءة تركيا باستقلال دولهم عنها ومنذ عام 1916م مع لورانس والكولونيل ليفتنانت رونالد ستورس بمساعدة العرب على الثورة والتمرد للإعلان عن النظام البديل وهو استقلال 22 دولة لم تذكر فلسطين من بينهم ولا القدس كثالث الأماكن الإسلامية المقدسة، فقط بقاء الأماكن الإسلامية بالقدس في قبضة دولة مسلمة ذات سيادة على حد تعبير كارين.
مذكرة بلفور وصفتها كارين بتبجح مثير للدهشة:
تناقض موقف بلاده حيث قال مخاطبا إنجلترا وفرنسا بكل صلف وغرور:
“فقد تعهدت حكومة بريطانيا بإقامة حكومات قومية مستقلة في الشرق الأدنى تؤسس طبقا لاختيار السكان، أما في فلسطين فقد أضاف في مذكرته قائلا:
فإننا لا نقترح حتى مجرد استشارة رغبات السكان الحاليين ولو بأسلوب شكلي.
وأضاف قائلا:
إن القوى الأربع العظمى ملتزمة بالصهيونية، كما أن الصهيونية جذورها في مورثات شديدة القدم سواء ذلك كان خطأ أم صواب، خير أم شر، وأيضا لها جذورها في حاجات وآمال مستقبلية ذات أهمية أعمق بكثير من رغبات وتحيزات 700 ألف عربي يسكنون الآن الأرض القديمة (القدس)”
العرب يصلون متأخرين دائما:
لم يكن العرب يعلمون بوعد بلفور ولكن بدأت تتواتر أنباء عنه من الخارج فشعروا بالخطر عام 1920 مع وصول الصليبي الجديد كما وصفته كارين (اللنبي) فبدأوا بالحديث عن صلاح الدين كما هي عادتهم إلى الآن وبدأوا ينظرون للصهاينة على أنهم صليبيون جدد أو على الأقل أدوات للغرب الصليبي.
هل يحافظ الجلاد على حقوق الضحايا؟
قضى ميثاق عصبة الأمم عام 1920 بأن إنجلترا هي المسئولة عن تسهيل الهجرة إلى فلسطين وحصول اليهود الوافدين على المواطنة في الوقت نفسه إنجلترا هي المسئولة عن رفاهية وتطور الشعب الفلسطيني!
إنه الاستخفاف والاستهانة بالمسلمين بعامة منذ ديباجة وعد بلفور وإلى الآن…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها. فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ»
سلم اللنبي فلسطين على المفتاح لليهودي البريطاني السير هربرت صموئيل والذي أطلق جملة من التطمينات الكاذبة مع وزير المستعمرات البريطانية وينستون تشرشل لمن عهدهم خيانة العهود.
افتتحت الجامعة العبرية على جبل سكوباس بمراسم ترأسها اللورد بلفور بنفسه والذي كان طوال مراسم الافتتاح الدموع تسيل على وجنتيه في الوقت الذي كانت شوارع القدس العربية قد أغلقت نوافذها وأبوابها وخيم عليها الصمت وشرعت أعلام الحداد السوداء في الأسواق، وأنشأوا سوق محاناة يهودا بالقدس ومركز تجاري بالشارع الرئيسي والذي أطلقوا عليه اسم أول من أحيا اللغة العبرية إليسار بن يهودا.
نشأة الطابور الخامس:
قام اليهودي البريطاني صموئيل بتعيين الحاج أمين الحسيني مفتيا للقدس وهو القومي العروبي المعروف بعدائه للصهيونية ليشاركه في الحكم ولتحييده وفي العام التالي تم تعيينه رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى لرعاية المؤسسات الإسلامية في فلسطين واتخذ من منصبه قاعدة لمحاربة وعد بلفور وبدأ في عمل تجديدات في المسجد الأقصى ولما شرع اليهود في بناء المعبد جابههم بأن ذلك سيؤثر على المباني الإسلامية وقد كان محقا في ذلك.
تعيين الحسيني أدى إلى انقسام العرب إلى معسكرين أحدهما موالي للحسيني والآخر موالي إلى رئيس البلدية الجديد راغب النشاشيبي والذي أبدى عدائه للصهيونية في الوقت نفسه يتعاون مع السلطة الصهيونية الحاكمة!!
المجلس البلدي للمدينة كان يتألف من أربعة أعضاء مسلمين وثلاثة مسيحيين وثلاثة يهود، واتسعت رقعة انتخابات اليهود، فأصبح لدى كل من اليهود والمسلمين خطط بشأن فلسطين على أساس أنها لهم فقط مع استبعاد الآخر، وهكذا احتدم الصراع واتضحت أبعاده إلى الآن.
تقول كارين:
“وكان من الطبيعي أن يكون للصهاينة أبطالهم ونجومهم، بيد أن الفلسطينيين لم يكونوا بحاجة إلى خلق أساطير وأيدولوجيات جديدة يدعمون بها نضالهم، فقد كانت فلسطين وطنهم وقد عاشوا في القدس لقرون طويلة يحتفون بقدسيتها، ولم يكونوا بحاجة لتأليف كتب عن أرضهم ومدينتهم وهل يجد الرجل المتزوج ضرورة لكتابة قصائد عشق ملتهبة لزوجته؟ أما الصهاينة، فكان عليهم أن يلصقوا أنفسهم بفلسطين، فقد سيقوا إلى تلك البلدة بهدف إيجاد مكان لهم في عالم غريب معاد”
اعتراف صريح منها بأن فلسطين أرض عميقة الجذور وشعبها قديم متجذر وليست أرض بلا شعب، وهذه الشرذمة مجهولة الأصل والنسب شعب بلا أرض كما أشاعوا هذه الفرية وروجوا لها وصدقوها.
شيئا فشيئا اتضحت نوايا الصهاينة وبريطانيا للعرب وزاد الطين بلة ظهور هتلر والذي دفع اليهود للهجرة أكثر إلى فلسطين مع تسهيل وتأييد دولي فاضح مما أوغر صدر الفلسطينيين ولما خذلتهم جميع الدول العربية والإسلامية ولم يقدروا حجم الخطر الداهم الحادث لفلسطين تواصل أمين الحسيني مع هتلر المعادي لإنجلترا في ذلك الوقت فانتقد من الدول الأوروبية ووصفوه بالإرهابي وبدأت حركات التحرر في الظهور من بينها وأبرزها كتيبة السوري عز الدين القسام التي حاربت الإنجليز واليهود على حد سواء وقتله الإنجليز كإرهابي أيضا (كل من يقاومهم إرهابي بينما هم الإرهاب نفسه) عام 1936
ثم تواترت خطط القبول بالأمر الواقع، تقسيم فلسطين إلى دولتين ليثبت الواقع أنها من قبيل الاستخاف بنا أكثر من ذي قبل، فقد أثبت الواقع المرير أنه مستحيل الحدوث، فلن ينسى الفلسطينيون أنها أرضهم ولن يشبع الصهاينة من ضم الأراضي بلا سقف، فقد كان شارون يقول أن حدود دولة إسرائيل عند آخر نقطة يصل إليها جندي إسرائيلي ومازال هذا الكيان اللقيط، الدولة الاستعمارية الوظيفية بلا حدود واضحة بالأمم المتحدة.
ولنا هنا وقفة:
من الواضح جدا أن إنجلترا ومعها أوروبا بالطبع هي من ساعدت عصابة الصهاينة ومكنتهم من فلسطين، وحديثا أمريكا وحلفائها، فهم دائما في تحالف دولي لا تنفصم عراه بينما نحن كنا كتلة متضامة وحولتها إنجلترا إلى شراذم مهترئة.
أن تستشعر الخطر قبل وقوعه لهو من عظائم الأمور وهذا يتطلب اليقظة الكاملة والتحسب لكل شاردة وواردة واستشراف القادم من جملة ما تراه عينيك وهو ليس بقليل، لكن المشكلة أنه عندما وقعت المصيبة لم يكن صف النخبة موحد وإنما هناك من يجزم أنه معادي للصهيونية في الوقت الذي يتعاون مع نخبتها، فلم يزيدوا ذوي البصائر المجلوة إلا خبالا.
طبقا لما اعترفت به كارين أن فلسطين هي أرض العرب وجذورهم فيها عبر القرون، ما يجعلنا نتساءل أين الخطأ؟ بالطبع الخطأ في الركون إلى الطابور الخامس الذي لم يوردنا إلا موارد التهلكة.
أشارت آنفا إلى نشأة الطابور الخامس وإلى الآن النخبة الطافية على السطح هي امتداده، فإن أفرغت عقلك لتستقبل من الشيخ أبو وردة وتستجيب لإملآتهم وتحجم عن الترحم عن المحدث إبي إسحاق الحويني رحمه الله، وتتلقى معلومات تاريخية مغلوطة صاغرا من هذا الذي أثار أحداث الفتنة الكبرى مجددا في وقت أدعى أن نكون فيه بحاجة إلى الترابط من خلال مسلسل معاوية وعلي رضي الله عنهما فلا تلومن إلا نفسك، لأنك تثبت لهم أنك عابد للعجل الذي يصنعوه لإلهائك عن مصائبك الحقيقية بينما لو عاد علي ومعاوية من قبريهما ومعهم أبو لهب لتبرأوا منا، لأن نظرتنا قاصرة نتعامل مع الصحابة على أنهم ملائكة بينما هم بشر أصابوا وأخطأوا، ما يجعلني أهمس في أذنك هل تستطيع أن تحصي فيما أصابت وفيما أخطأت، صدقني الإجابة صعبة وصادمة.
وللحديث بقية إن شاء الله