فايننشيال تايمز: استئناف الحرب في غزة يضع مصير جيش الاحتلال علي المحك

قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن جنود الاحتياط في جيش الدفاع الإسرائيلي يواجهون احتمال العودة الفورية إلى الحرب مع استئناف إسرائيل هجومها على حماس هذا الأسبوع.
وأشارت الصحيفة إلبريطانية في تقرير لها ترجمته “جريدة الأمة الإليكترونية ” أن تهديد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد أيال زمير بمتابعة حملتهم على غزة بهجوم بري جديد وشرس إذا رفضت حماس إطلاق المزيد من الرهائن الإسرائيليين.
وترى الصحيفة أنه من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لقوات الجيش الإسرائيلي الصمود أكثر من ذلك. فطوال معظم تاريخه، فضل الجيش الإسرائيلي خوض حروب قصيرة وحاسمة، تدوم أيامًا أو أسابيع، لتقليل العبء على جنود الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم لدعم الجيش النظامي.
ومع غياب نهاية تلوح في الأفق، بدأ محللون عسكريون وجنود احتياط في التحذير من تزايد حالة الإنهاك داخل القوات المقاتلة، مع توقف الوظائف والعائلات والحياة اليومية بالكامل.
ويشيرون أيضًا إلى مؤشرات على تزايد خيبة الأمل من أهداف نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، الذين استبعدوا وقف القتال على الرغم من الضغط الشعبي لعقد صفقة لإعادة بقية الرهائن المحتجزين لدى حماس.
من جانبه قال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، ومؤلف كتاب عن العلاقات المدنية العسكرية: “لأول مرة منذ بدء الحرب، قد يكون هناك احتمال ألا يلتحق بعض جنود الاحتياط بالخدمة”.
وأضاف: “قد يتحول هذا إلى مشكلة أكبر إذا لم يكن هناك إجماع وطني خلف هذه الحرب”.
وكان رئيس الأركان الجديد للجيش الإسرائيلي، أيال زمير، قد حذر حين كان نائبًا لرئيس الأركان عام 2021 من توجه إسرائيل نحو بناء “جيش أصغر وأكثر ذكاءً” يعتمد على التكنولوجيا والقوة الجوية والقوات الخاصة.
وأكد زمير أن البلاد ستحتاج بدلاً من ذلك إلى “كتلة حرجة” من القوات لخوض ما قد يكون مستقبلًا “حملة ثقيلة وطويلة ومتعددة الجبهات”. وقال في وقت سابق من هذا الشهر: “عام 2025 سيكون عام الحرب”.
في إسرائيل، يُلزم معظم الرجال والنساء اليهود بالتجنيد العسكري لمدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات عند بلوغهم سن 18 عامًا، ويواصل كثيرون منهم الخدمة في الاحتياط بعد ذلك، مع تقديرات تشير إلى وجود نحو 450,000 جندي احتياط محتمل لدعم الجيش النظامي الذي يضم حوالي 170,000 جندي.

لكن قبل الحرب الحالية، كما تقول خين، كان “الاتفاق غير المكتوب مع الجيش الإسرائيلي يقضي بالخدمة لمدة 30 يومًا في السنة”. ووفقًا لأرقام الجيش، قُتل أكثر من 800 جندي وجُرح حوالي 6,000 منذ بداية الحرب، مع إشارة بعض المحللين إلى أن العدد أكبر إذا أُخذت الإصابات النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة بعين الاعتبار.
كما خلف الصراع دمارًا واسعًا بين جيران إسرائيل، إذ قتل أكثر من 48,000 شخص في غزة، و4,000 في لبنان، وحوالي 1,000 في الضفة الغربية، وفقًا للسلطات الصحية المحلية، وتشمل هذه الأعداد المدنيين والمقاتلين على حد سواء.
ويقول المسئولون العسكريون الإسرائيليون بحسب الصحيفة البريطانية إن الجيش يحتاج إلى 10,000 جندي إضافي — خاصة تشكيلات مدرعة وألوية مشاة جديدة — لتحسين دفاعاته على الحدود والاحتفاظ بالمناطق العازلة داخل الأراضي المجاورة “إلى أجل غير مسمى”.
لكن المحللين يحذرون من أن إجراء مثل هذه التغييرات في بنية الجيش التنظيمية سيستغرق وقتًا.
كما أن خطط توسيع الجيش ستصطدم بتحدٍ أكبر: مسألة تجنيد الشبان اليهود الحريديم (الأرثوذكس المتشددين).
ويشكل الحريديم حوالي 14% من سكان إسرائيل، وكانوا معفيين من الخدمة العسكرية منذ تأسيس الدولة، وهو إعفاء أثار مقاومة متزايدة حتى قبل 7 أكتوبر.
وقد قضت المحكمة العليا بعدم دستورية هذا الاستثناء، ويطالب غالبية الإسرائيليين اليهود بأن يشارك الحريديم أيضًا في الخدمة العسكرية.
لكن نتنياهو، الذي يعتمد ائتلافه على دعم الأحزاب الحريدية، أوضح أن حكومته لا تنوي فرض التجنيد الإجباري عليهم.
فوفقًا للأرقام الرسمية، لم ينضم سوى بضع مئات فقط من الحريديم إلى الجيش خلال العام الماضي، رغم إرسال أكثر من 10,000 أمر تجنيد من الجيش لهم.
وأظهر استطلاع أجرته “منتدى زوجات جنود الاحتياط” في نوفمبر الماضي، أن نحو 80% من المشاركين قالوا إن دوافعهم للخدمة قد تراجعت منذ بدء الحرب، بسبب عدم تجنيد الحريديم، إضافة إلى الصعوبات الشخصية.
وفي الشهر الماضي، تدخلت الشرطة الإسرائيلية ضد مظاهرة للحريديم في القدس الغربية احتجاجًا على مشروع فرض الخدمة العسكرية الإلزامية.
من جانبه علق بنيامين، وهو أب لطفلين وخدم لمدة شهر في وقت مبكر من الحرب، إنه يرغب في العودة للخدمة، لكنه لا يستطيع. وأضاف: “ذلك سيتسبب بانهيار الأسرة. زوجتي لا تستطيع البقاء وحدها مع الأطفال، والشركة التي أديرها ستُغلق”. (بنيامين، مثل معظم جنود الاحتياط الذين أجريت معهم مقابلات، رفض ذكر اسمه الكامل).
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه “لم يحدث أي تغيير جذري في معدلات الالتحاق، وإن الوحدات تواصل تنفيذ مهامها”.
لكن عدة جنود احتياط تحدثوا إلى صحيفة فايننشيال تايمز أكدوا أنه، رغم ندرة ترك الخدمة نهائيًا، أصبح من الشائع الآن التغيب عن التدريب أو المهام العملياتية لأسباب شخصية.
وقال ضابط احتياط متمركز لعدة أشهر قرب حدود غزة إن معدلات التجاوب مع استدعاءات الخدمة في بعض الوحدات انخفضت إلى “أقل من النصف”.
وقد أكد عاموس هارئيل هذا الرقم التقريبي، مشيرًا إلى أن الجدل الأوسع حول اتجاه الحرب سيزيد من حدة الغضب.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من 60% من الإسرائيليين يريدون من نتنياهو التوصل إلى اتفاق مع حماس لاستعادة بقية الرهائن، حتى لو كان ذلك يعني إنهاء الحرب.
ومع ذلك، وتحت ضغط حلفائه السياسيين من اليمين المتطرف، تعهد نتنياهو بمواصلة القتال حتى القضاء على حماس.
وتقول أحزاب المعارضة وعائلات الرهائن إن هذا التصعيد سيعرض حياة من لا يزالون محتجزين في غزة للخطر، ويؤكدون أن الحرب يتم تسييسها لضمان بقاء ائتلاف نتنياهو في الحكم.
كما أن محاولة نتنياهو الأسبوع الماضي إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) عمقت الأزمة الداخلية، وأعادت إحياء المخاوف من أزمة دستورية كانت قد دفعت آلاف جنود الاحتياط إلى تعليق خدمتهم قبل هجوم 7 أكتوبر.
وقال هارئيل إن جنود الاحتياط قد يفعلون الشيء نفسه مرة أخرى إذا شعروا “أنهم يُضحون بأنفسهم لتحقيق أهداف اليمين المتطرف الحقيقية، والمتمثلة في إعادة بناء المستوطنات في غزة وتهجير جميع الفلسطينيين، وليس فقط تدمير حماس وإعادة الرهائن”.
وفي الأيام الأخيرة، أعلن أحد ملاحين سلاح الجو وضابط مخابرات عن تعليق خدمتهما في الاحتياط، حيث كتب الأخير على منصة أنه إكس لن يشارك في حرب “لا تخدم مصالح شعب إسرائيل”. وقد تم تسريحهما من الخدمة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من آرائهم بشأن رئيس الوزراء، يقول معظم جنود الاحتياط إنهم سيواصلون الاستجابة للاستدعاءات، معتبرين أن هذه معركة وجودية.
ديفيد، الذي كان قد أُعفي من الخدمة الاحتياطية قبل اندلاع الحرب، تطوع للقتال لمدة ستة أشهر في غزة وجولة أخرى في الضفة الغربية.