تكشف أحدث البيانات عن وجود فجوة كبيرة في معدّل توافر أسرّة المستشفيات بين دول العالم، وهي فجوة لا تقف عند حدود الأرقام بل تمتد لتعبّر عن حجم التفاوت في الرعاية الصحية، وعن قدرة الأنظمة الطبية على حماية حياة الناس في الأوقات العادية وأوقات الأزمات. فبينما تنعم الدول مرتفعة الدخل ببنية تحتية صحية قوية، حيث يتجاوز معدّل الأسرّة فيها أكثر من 5.4 سرير لكل ألف شخص، تعاني الدول منخفضة الدخل من أزمة حقيقية، إذ لا يتعدى المعدّل فيها سريرًا واحدًا لكل ألف شخص في 32 بلدًا حول العالم، في حين لا يتجاوز المعدّل العالمي 3.3 سرير.
وتشمل هذه الأرقام جميع الأسرّة المخصصة لإقامة المرضى في المستشفيات العامة والخاصة، وكذلك المستشفيات المتخصصة كمستشفيات القلب والسرطان، إضافة إلى مراكز إعادة التأهيل. ويُعتبر هذا المؤشر من أبرز الأدوات التي تقيس البنية التحتية الصحية وقدرتها على الاستجابة، فهو يعكس حجم الطاقة الاستيعابية للمستشفيات ومدى جاهزيتها لتقديم الرعاية الطبية المستمرة.
المفارقة أن المعدل العالمي يبدو وكأنه يمنح صورة متوازنة، لكنه في الحقيقة يخفي وراءه تفاوتًا عميقًا بين دول تنفق المليارات على قطاع الصحة، ودول أخرى ما زال الوصول فيها إلى سرير مستشفى يمثل معاناة يومية للمواطنين. ففي الكثير من البلدان الفقيرة قد يضطر المريض إلى الانتظار طويلًا أو إلى التنقل مسافات كبيرة للعثور على سرير فارغ، وهو أمر يزداد خطورة في حالات الطوارئ أو أثناء انتشار الأوبئة، كما حدث في جائحة كورونا التي عرّت ضعف البنى التحتية الصحية في العديد من مناطق العالم.
إن وجود هذا الخلل لا يهدد حياة الأفراد في الدول منخفضة الدخل فقط، بل ينعكس أيضًا على الأمن الصحي العالمي ككل، لأن الأمراض لا تعترف بالحدود، وأي ضعف في منظومة صحية في مكان ما قد يتحول إلى تهديد عابر للقارات. لذلك، يرى الخبراء أن تقليص هذه الفجوة يستدعي استثمارات عاجلة في البنية التحتية الصحية بالدول الفقيرة، وتعاونًا دوليًا جادًا يضمن نقل الخبرات وتوفير الموارد الطبية اللازمة، إلى جانب وضع خطط وطنية لإعادة توزيع الإمكانيات المتاحة بشكل أكثر عدلًا.
ففي نهاية الأمر، يظل سرير المستشفى رمزًا حقيقيًا للعدالة الصحية، وغيابه يعني أن ملايين البشر حول العالم ما زالوا يقفون على هامش الحق في العلاج، ينتظرون دورهم في قائمة طويلة قد لا تأتي قبل أن يسبقهم المرض إلى النهاية.