القرآن الكريم ليس كتاب علوم؛ فلا يمكن اعتباره كتاب فلك أو فيزياء أو كيمياء أو غيرها من العلوم، ولكن لا يمكن أن يغفل أنه يحتوي على إشارات دالة على العلوم من قريب أو بعيد.
هذه حقيقة لا يمكن إغفالها أو تجاهلها (وبعض هذه الإشارات كان معلوما مشاهدا بالنسبة للعرب المخاطبين بهذا القرآن أول مرة فكان ذكرها لهم، وتذكيرهم بها مقصودا به إزالة الغشاوة التي تغشى على بصائرهم).
وهذا ما يتميز به القرآن الكريم بصلاحيته لكل مكان وزمان من خلال بعض الإشارات في زمان تكون حقائق في وقت لاحق له. (إن الله عز وجل ميز القرآن الكريم الذي يحمل كلمته الأخيرة للبشرية كافة بخصائص لا توجد في غيره) ومعناه الإعجاز العلمي الذي تفرد به القرآن الكريم في آياته التي كشفت عن حقائق علمية عبر الأجيال (فهو ليس لجيل واحد تنتهي مهمته بعدها، أو تنقطع صلة الأجيال به، بل هو لكل الناس في كل جيل يهديهم إلى ربهم، ويوجههم إلى الخير وإلى الحق، ويربيهم على المنهج القويم، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون)
والإعجاز العلمي (هو التفسير الذي يحاول فيه المفسر فهم عبارات القرآن الكريم المنزل من رب العالمين في ضوء ما أثبته العلم، والكشف عن سر من أسرار إعجازه، من حيث أنه تضمن هذه المعلومات العلمية الدقيقة التي لم يكن يعرفها البشر وقت نزول القرآن، فدل ذلك على أنه ليس من كلام البشر ولكنه من عند الله).
إن التعامل العلمي والفارق بين الإعجاز والتفسير العلمي للقرآن الكريم تحكمه عدة ضوابط على الباحث والدارس والمفسر أن يكون على إلمام ودراية تامة حتى لا يقع في الخطأ، أو يقول في القرآن الكريم ما لم يكن مُراده.
ومن هذه الضوابط: حسن فهم النص القرآني وفق ضوابط اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم؛ لأن اللغة العربية تتميز باتساع معانيها ودلالات ألفاظها بحسب سياقاتها التي تجعلها تحمل أكثر من معنى ودلالة.
كذلك مراعاة معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وترتيب وقت النزول؛ كما يشترط في المُشتغل بالإعجاز العلمي أن يكون على إلمام تام وإدراك واسع بعلوم القرآن من الخاص والعام والمقيد والمطلق والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن الكريم.
كذلك يجب عليه فهم ما جاء من التفسير المأثور عن الصحابة والتابعين لأنهم أعلم بتفسير القرآن وفهم معانيه، لأنه كان قريب عهدهم بنزوله وأخذهم عن رسول الله؛ ثم أخذ التابعين عمن أخذ عن رسول الله فهم أعلم بمعانيه ودلالاته ممن جاء بعدهم؛ فلا يمكن إغفال فهمهم في تفسيره.
كما يجب عليه أن يجمع لديه علم القراءات الصحيحة للآية محل الشاهد لأن القرآن نزل على سبعة أحرف، ولأن بعض القراءات ذات معنى واحد وقد تكون لها معان مختلفة مثل قوله تعالى {يطهرن – يتطهرن}.
وأيضا جمع الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع العلمي الواحد وربط بعضها ببعض؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، وهو ما يُعرف بتفسير القرآن بالقرآن، وكذلك السنة النبوية الصحيحة من الأحاديث المتعلقة بموضوع الآية محل التفسير العلمي كلما توفر ذلك فهي خير دال وخير داعم.
ولا يمكن إغفال سياق الآية أو الآيات وأخذه في الاعتبار أثناء التفسير بصفة عامة والتفسير العلمي بصورة خاصة، ولا يكون هناك قطع أو لوي للنص القرآني للحيدة به عن معناه الحقيقي، واستحضار القاعدة التي تقول إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص النص، وهي ترتبط مباشرة بقواعد اللغة ودلالات ألفاظها.
وتأكيد عدم تحميل النص القرآني ما لا يحتمل ولا يلوي عنق النص للوصول لنتيجة يريدها أو يتوقعها.
كذلك مراعاة عدم الخوض في المسائل الغيبية التي لا يستطيع العقل البشري القاصر إدراكها والوصول إلى كنهها. مثل الروح والملائكة والجن والتفكير في ذات الله تعالى؛ بل الواجب هو التسليم بها لله تعالى واليقين بأنها لا تصح أن تكون محل نظر أو تفكير وجدل.
وآخر هذه الضوابط: يجب ألا توظف هذه الحقائق العلمية في الاستشهاد بها إلا بعد أن تصبح ويتحقق أنها حقيقة قاطعة لا رجعة فيها وأنها غير قابلة لإعادة النظر أو التصحيح وإلا فهي ليست حقيقة علمية يقينية.
الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير:
قرر العلماء أن القرآن الكريم قد احتوى على أكثر من (1000) آية صريحة عن الكون ومكوناته وظواهره، بالإضافة إلى العديد من الآيات التي تقترب من الصراحة في الدلالة أكثر منها للإشارة.
وهذه الآيات الدالة والإشارات لم تأتِ من عقل الإنسان؛ بل هي من الله تعالى مُنزل هذه الآيات وخالق هذا الكون والإنسان. وترك للإنسان أن يجتهد في استنباط هذه الدلالات، والكشف عن هذه العلوم من سياق هذه الآيات ومن خلال قدراته العقلية ومعارفه التراكمية عبر العصور والأزمنة، وما عُرف من علوم وتوسع في المعارف.
وفي مجال التفسير العلمي يجب توظيف كل المعارف المتوفرة من الحقائق والثوابت العلمية كما أنه لا مانع من توظيف النظريات والفروض المتكررة السائدة في مجال التفسير العلمي للقرآن الكريم كما يرى الدكتور زغلول النجار.
لأن التفسير العلمي جهد بشري لمن أصاب فيه أجران ولمن أخطأ أجر واحد، وهذا حُكم المجتهد، والخطأ لا ينسحب على جلال القرآن الكريم الذي يُنسب إلى الله تعالى.
أما الإعجاز العلمي:
فلا يجوز أن يكون إلا في القطعي الثابت من الأمور أو القواعد العلمية لأن المقصود بالإعجاز العلمي في القرآن هو إثبات أن القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبيه في أمة كانت تغلب عليها الأمية، وهو يحوي من الحقائق العلمية في الكون والحياة ما لم تستطع البشرية الوصول إليه ومعرفته إلا في فترة متأخرة جدا بعد رحلة بحث ودراسة طويلة وشاقة ومضنية تثبت أنه لا يمكن لعاقل أن يتصور هذه الحقائق إلا بوحي من الله خالق هذا الكون ومصوره.
لذلك لا يجوز توظيف غير الحقائق القطعية الثابتة في مجال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم مع استثناء الآيات المتعلقة بالغيبيات مثل البعث والخلق والإفناء؛ لأن هذه القضايا لا يمكن أن تخضع مباشرة لإدراك الإنسان وإحساسه.
ومما يجب تأكيده في مسألة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أنه يجب أن يكون على يد المتخصصين لأنه لا يمكن لفرد أن يلم بتخصصات في كل المجالات العلمية في القرآن مثل علم الكون والفلك وعلم الأجنة معا.
وهذا هو الفارق بين الأعجاز العلمي والتفسير العلمي بشكل مجمل ومختصر.