قامو عاشور تكتب: مسار نهضة المرأة الإيرانية في حقبتين دكتاتوريتين (1)

مما يفرح الصدور أن يكون الإنسان حراً كريماً في بيئته ومحيطه وعالمه متساوٍ مع أقرانه لا تعرف له القوانين شكلا ولا عرقا ولا جذرا ولا منبعا أو منطقة وإنما تُغرفه كونه إنساناً وحسب له ما لغيره من الحقوق وعليه ما على غيره من الواجبات مصانةٌ كرامته لا عبودية ولا عنصرية ولا تبعات وآثار للعبودية والعنصرية، ولا ظلم ولا اضطهاد للإنسان؛ رأيه ملكه وقوته ملكه ويومه وغده بيد ربه غير مرهونٌ بغير الخالق العزيز الكريم.. فهل ترتقي المرأة الموريتانية والمواطن الموريتاني إلى هذه التعاريف الإنسانية النبيلة؛ إننا نخطو بجد، وتلك هي بدايات أمانينا، وذلك هو ما أبهرنا في خطى المرأة الإيرانية المناضلة التي تقارع الظلم والاستبداد على يد أعتى الأنظمة بطشاً وتعسفا…

نهضة المرأة الإيرانية الأسس والدوافع

يُعد دور المرأة في أي مجتمع مؤشراً رئيساً من مؤشرات التقدم ودلالة على الارتقاء الحضاري بالامتثال لقواعد العدالة والمساواة في الفرص بغض النظر عن النوع أو المكانة الاجتماعية،وقد مرت الحياة السياسية في إيران على سبيل المثال بمراحل متعاقبة انعكست بالضرورة على وضع المرأة، ففي عهد الشاه رضا بهلوي (الأب) كان هناك استمرار لحراك نسوي نسبي ممتد من الثورة الدستورية وسعت السلطة إلى إظهار مكانة للمرأة الإيرانية على طريقتها من حيث المظهر، ومن ضمن تلك الشكليات كان استغلال المرأة في ظهورها متغربة متواجدة في البلاط السلطاني،  وكذلك ظهور زوجته وبناته الأميرات ولكن حقيقة الأمر كانت معاناة المرأة في أوجها إذ مارس الشاه الأب سياسة الإكراه ذاتها التي يمارسها الملالي اليوم.

يعود تاريخ حركة المرأة الإيرانية إلى سلالة القاجار في القرن الثامن عشر حين تم ترويج للقضايا النسوية تحت عنوان التقدم والمعاصرة، ولكن لم تُتَاح للمرأة فرصة التفوق أكثر إلا بعد الثورة الدستورية وقد لعبت أدواراً هامة في الحياة، وأخذت نهضة المرأة مساراً آخر نحو وجودها ككيان بكامل حقوقه وحرياته وخاصة حرية الرأي وحصلت على الحق في التصويت وكان ذلك بفضل الثورة الدستورية التي ثبتت نظام الملكية الدستورية وشكل الحقوق والواجبات في البلاد.

بعد قيام الثورة الوطنية في إيران عام 1979 واستيلاء الملالي على مقاليد الحكم انعكست تداعيات سياسية واجتماعية جديدة على مكانة المرأة بطبيعة الحال، حيث تركز الاهتمام على سياسة إكراه جديدة بفرض ثياب النساء والرداء والحجاب؛ فالشاه رضا بهلوي كان قد منع الحجاب في الثلاثينيات من القرن الماضي حتى أنه أمر الشرطة بنزع الحجاب والرداء عن رؤوس  النساء بالقوة، وبنفس النمطية الاستبدادية بعد عام 1979ألزمت سلطات الملالي جميع النساء بارتداء الحجاب بالإكراه، فمن وجهة نظر خميني كانت حقوق المرأة شيئاً ثانوياً، وقد كانت الصورة النسائية المروج لها من جهة النظام الإسلامي المُستَعرض كمشروع مضاد لنمط المعيشة الغربي المتحرر، وفي عام 1983 أصدر مجلس الملالي قانوناً يحث على معاقبة النساء اللواتي يظهرن في العلن بدون حجاب بـ 74 جلدة، ومنذ سنة 1995 تتم ملاحقة السيدات المخالفات بعقوبة سجن تصل إلى 60 يوماً.

والجدير بالذكر أن مشاركة المرأة في الثورة الوطنية الإيرانية عام 1979 كانت لافتة للنظر لدرجة أن أطلق البعض عليها «ثورة من وراء الحجاب»، وتنامى دور المرأة الثورية الإيرانية يوما بعد يوم بعد تنامي حدة المواجهة بيم نظام ولاية الفقيه ومنظمة مجاهدي خلق وظهور تيارين سياسيين نقيضين لبعضهما البعض أحدهما حاكم متسلط مستبد والآخر يدعو للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ويتعرض للإعدامات والسجن والتعذيب والتنكيل لكنه في الوقت ذاته أصبح المدرسة الديمقراطية التحررية البديلة للمدرسة الرجعية الحاكمة، ومن آثار المدرسة الديمقراطية  التحررية تنامي مطالب المرأة الإيرانية المقتدية المتأسية بالمرأة في المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق وأشرف حتى باتت تتحدث وتطالب بنفس الحقوق المدنية التي طالبت وتطالبها منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية كحق الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية وتقلد الحقائب الوزارية والمناصب الحساسة، والسفر من دون إذن القيّم عليها، وحضانة الأطفال وغيرها من الحقوق، وقد ساد ذلك بوضوح في المجتمع الإيراني أثناء مسرحية انتخابات النظام الرئاسية الأخيرة التي انتهت بتعيين إبراهيم رئيساً لجمهورية النظام.

بوجه عام تثور الانتقادات عن أن إيران في ظل سلطة ولاية الفقيه تعد واحدة من 6 دول أعضاء في الأمم المتحدة لم توقع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما تكرس التشريعات في إيران كثيراً من الحواجز التي تحول دون حصول المرأة على الحقوق الأساسية في مجالات مثل العمل والزواج والمواطنة، ولا تنعكس الحالة الثانوية للمرأة في تمثيلها المحدود في السياسة أو الهيئة القضائية فقط بل أيضاً في المنازل إذ يحتفظ الأزواج بموجب القانون بالسيطرة الأساسية على الشؤون الحياتية، وتعاني كثير من النساء من أنماط متعددة من الإكراه والعنف الجسدي وهي جريمة غير معترف بها حالياً في القانون الإيراني بحسب انتقادات المهتمين بحقوق المرأة الإيرانية.

يتبع حتى الجزء الثاني والأخير

قامو عاشور / نائبة برلمانية موريتانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights