أقلام حرة

قصف تل أبيب.. نقطة انعطاف كبيرة في خضم أحداث جسيمة

بقلم: ياسر سعد الدين

هناك قناعة عند المقاتلين الفلسطينيين تترسخ وتنتشر في فلسطين وفي العالمين العربي والإسلامي، أن ما يحدث في غزة لا يمكن تفسيره إلا من خلال قناعات إيمانية عميقة بأن هناك تدبير رباني لا راد له، وأن معية الله العزيز المنتقم الجبار مع مجاهدي غزة أمر مقطوع فيه بلا أدنى شك ولا أقل ارتياب.

من يستطيع ماديا وعسكريا وفلسفيا ومن غير البعد الإيماني والقرآني أن يفسر ليس فقط صمود شعب محاصر يتعرض لحرب عالمية بحقد لا نظير له ووحشية لا مثيل لها، لا بل أن عمليات مقاومته تزداد ضراوة وتتوسع وتصبح أكثر تعقيدا، فيما يمضي مقاتليه- إلى الدبابات والعربات الإسرائيلية ليزرعو فيها عبواتهم التفجيرية- بكل ثقة وطمأنينة وهدوء وسكينة.

إنجاز نتنياهو وجيشه الأقذر عالميا وربما تاريخيا هو فقط مزيد من جرائم الإبادة والتدمير واستهداف كل مقومات الحياة في غزة وقطع شرايينها وتجويع الأطفال والشيوخ والمرضى وتعطيشهم وتدمير المدارس والمستشفيات وتعذيب الأسرى بوحشية وفجور. غير أن الإنجاز الإسرائيلي في القتل ومحرقة غزة، يزيد من عزلة الصهاينة عالميا ويعريهم أخلاقيا ويفلسهم قيميا، ويجعل من دعاة التطبيع العربي معهم عراة من كل كرامة ومرؤة وأخلاق إنسانية.

من اليوم الأول لملحمة غزة ومحرقتها، تسير الأحداث في صالح المقاومة الفلسطينية رغم الكلفة الإنسانية الكبيرة وغير المسبوقة على المدنيين من الأطفال والشيوخ والنساء والمرضى. الانقسامات الكبيرة في دولة الاحتلال تتعمق وتتوحش ما بين التيارات السياسية المختلفة، وبين الجيش وبعض السياسيين وعلى رأسهم الجزار نتنياهو، وما بين المتدينين والعلمانيين ومعنويات الجيش تتراجع وتتضعضع. في حين تزداد القناعة عند عموم الفلسطينيين أن لا خيار أمامهم سوى الصمود والتمسك بالمقاومة ونهجها وسبيلها، وتزداد المقاومة شكيمة وقدرات ومبادرات وتصطاد عساكر الاحتلال كالجرذان والفئران.

من كان يوما ليتخيل أن الجامعات الغربية والأمريكية ستنفجر دعما لفلسطين وغضبا واحتجاجا على الإجرام الصهيوني والتواطؤ الغربي الرسمي. بتقديري أن الأيام حبلى بتطورات ضخمة وعواصف سياسية هوجاء وزلازل قادمة قد تغير المشهد الدولي عموما والعربي على وجه الخصوص بشكل كبير وقاطع.

ضربة تل أبيب اعتبرها بعض المعلقين الصهاينة بمثابة 7 أكتوبر جديد يهز الدولة العبرية، الخلافات والملامات تتصاعد في الداخل العبري. لوم كبير على نتنياهو بإضاعته فرصة التفاوض، موقع واي نت العبري يقول الجيش أعمى والفشل الاستخباراتي واضح، سيحقق الجيش الإسرائيلي في الفشل في فهم كيفية ترك المدنيين والأهداف الحساسة مثل السفارة الأمريكية مكشوفة – خاصة في مواجهة احتمال نشوب حرب شاملة.

المستوطنون في حالة رعب وحيرة، انهارت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وحتى يسترد الصهاينة بعض المعنويات وبعد ساعات من العمى الاستخباراتي بل وحتى الأخباري، تم الإعلان عن أن الصاروخ قد تم رصده ولكن الأمر يتعلق بخطأ بشري. تكرار الأخطاء البشرية والإعلان عن نحو 10,000 عسكري صهيوني يسعون للعلاج النفسي يمكن تفسيره -ولذلك شواهد كثيرة- على انهيار معنويات الجنود الصهاينة، ولا ينفع الجندي المنهار معنويا لا التقنية ولا السلاح المتطور ولا حتى الذكاء الاصطناعي!!!

طول مدة الحرب رغم أعبائه الإنسانية الكبيرة على غزة وأهلها، لكنه يعمق من زعزعة الأسس التي قامت عليها دولة الاحتلال ويقوضها، كما إنه ينزع الشرعية أو ما تبقى منها عن أنظمة عربية سخرت إعلامها للوقوف مع الصهاينة وفتحت حدودها وموانئها لدعم الصهاينة لوجستيا وبشكل صارخ، هذه أمور تتراكم وقد تؤدي إلى انفجارات غير محسوبة ومفاجئة في دول عربية وعلى رأسها دولة عربية كبرى تضيق الحصار على غزة مددا وإسنادا إنسانيا وعلى شعبها كبتا وقهرا وفشلا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا.

حين تنصت الشعوب العربية باهتمام وانتباه لأبي عبيدة وكلماته بمعانيها الإسلامية العميقة ومدلولاتها الجهادية، وحين يشاهدون بلهفة وإعجاب مقاطع مصورة من عمليات عسكرية مبهرة تثخن في الصهاينة تصاحبها رسائل عميقة وترديد لآيات القرآن مع التكبير والتهليل، فنحن أمام تغير وتغيير ثقافي وإيماني عميق يمس قطاعات عريضة من شعوب المنطقة. ومع عجز عربي رسمي يتراوح ما بين تخاذل، وهوان ووهن، وتواطؤ يسبقه ويلحقه فساد في الحكم وغياب الحاجات الأساسية وتعيين وزيرا للتربية لدولة عربية كبرى يحمل شهادات عليا مزورة ليعكس تماما واقع الحكم وهويته، فنحن أمام مزيج شديد الخطورة قد ينفجر غضبا شعبيا في أي وقت من غير تحذير ولا مقدمات تماما كالصاروخ الذي قصف تل أبيب وعصف بأمنها وقوض أحلامها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *