ليلى حمدان تكتب: لماذا يحصل التشويش؟
لماذا يحصل التشويش؟ لماذا يكثر التساؤل ما الموقف الصحيح في ظل هذا التدافع؟
يحصل التشويش وضياع البوصلة لعدة أسباب لكن أبرزها:
– للضبابية والتشويش في تناول القضية نفسها التي من المفترض ألا تكون خلافية بهذا الشكل المثير للأسى لشدة وضوحها، يحصل لمحاولة إرضاء الجميع وإمساك العصا من المنتصف ومراعاة الخطاب الإعلامي السائد.
وهذه الضبابية بذاتها تعكس درجة تشويش المفاهيم لدى المتصدرين أنفسهم.. فكلما كانت الفكرة بذاتها غير واضحة في ذهن المتحدث انتقل التشويش للمستمع وتضارب الناس.
وبغض النظر عن أسباب هذا التشويش عاطفية كانت أو لقصور أو ضعف في القراءة والتأصيل، نحن أمام ضبابية في الطرح وعجز في التشخيص يكشف لنا أزمة فكرية عميقة وفادحة، هي الفشل في استيعاب ما يجري وعلى ماذا الاختلاف!
وسرعة الأحداث والتأثر بعواطف الجماهير ومطالبهم للتدخل، تدفع للتحدث ولكن بحذر وتريث وتردد، ولذلك تستمر الضبابية ويستمر التركيز في الهوامش وما لا جدوى منه والغفلة عن الصميم!
وهي ضبابية يغذيها ويقويها الادعاء أن «هزيمة المحور الإيراني هزيمة لغزة»، وبناء عليه يتم بناء الافتراضات والتصنيفات وتوزيع التهم بالطائفية والصهيونية وعدد ما شئت من بلادة الوصف!
– السبب الثاني ضعف القراءة الاستراتيجية للصراع، وهذه للأسف بسبب تصدر المنظرين الحزبيين الذين ينتصرون لاستراتيجية حزبهم بدون إعطاء فرصة لنقد تخصصي يسمح بتشخيص نقاط الضعف والقوة وفرص الصعود وأسباب النكسة!
من الصعب أن أختزل الكثير من الشرح في منشور ولكن سأحاول من خلال تبيان أبعاد القضية وضع اليد على مربط الاختلاف.
يقولون: هزيمة الرافضة في هذه الحرب، هزيمة لغزة! لأن المقاومة تعتمد بشكل مصيري على الدعم الإيراني، ويكررون كثيرا لسبب «خذلان العالم الإسلامي» لغزة، فهم بهذا يعولون حقيقة على أن الوقوف في صف المحور الإيراني سينصر غزة ومجرد التوقف عن التصفيق له والتطبيع مع فكرته، نصرة للاحتلال بغض النظر عن دوافع هذا التوقف!
لكننا نقول: ولماذا تضييق الخيارات واختزالها بهذا الشكل المتعسف، من قال أن هزيمة المحور الإيراني هزيمة لغزة؟ لماذا لا نقرأ المشهد بطريقة مختلفة عما اعتدتم الانجرار إليه، لماذا لا تكون هزيمة هذا المحور الذي كبّل العراق وسوريا ولبنان واليمن فرصة لتحقيق انفراجة بين المسلمين تسمح لهم بإعداد القوى «المقاومة» على غرار غزة، لتقدم المدد الأكثر استمرارية لتحرير -ليس فقط غزة- بل كل المنطقة!
وهو ما ندعو إليه إقامة مشروع سني مستقل.
لماذا تقبعون داخل المربع الواحد الصغير: لولا إيران لماتت المقاومة! لماذا تقتلون الأمل وتحصرونه في المحور الإيراني تحديدا؟! أليست رحمة الله تعالى أوسع؟
يقولون: سيتجبر الاحتلال ويطغى ويحتل الأرض ويستعبد العباد أكثر لذلك المحور الإيراني هو الحل فهو «شجاع» ويملتك «القوة» و«الاستقلالية»!
قلنا: هذا حقيقة أسوأ احتمال لكنه ليس الوحيد، بل هناك أيضا احتمال وهو أقوى، أن يوجد الله تعالى مقاومة للاحتلال في كل المنطقة كما أوجدها في غزة من عدم وحصار، فالقراءة التاريخية والواقعية تؤكد أن المقاومة تتشكل تلقائيا بوجود الاحتلال فهي تجري في دماء المسلمين فطرة ومع رصيد الخبرات المتراكم ستكون بلا شك أقوى، وهذا يعني أن تمدد الاحتلال سيدفع الناس لخيار المقاومة طوعا أو كرها ومع تراجع المشروع الرافضي، هذه فرصة تاريخية لإيجاد أرضية للمشروع السني. إنها سنة التدافع!
يقولون: لكن الاحتلال معه أنظمة عميلة تساعده في إبقاء الهيمنة والذلة؟ وسنخسر فرصة سانحة لهزيمته!
قلنا: هذا لضيق الفهم والحصر، ولكن بلغة القوة والاستراتيجية، وتحليل المشهد على امتداد الخريطة الكبرى للمنطقة بعقلانية بعيدا عن خطابات الحماسة، فإن فرص المحور الإيراني في هزيمة الاحتلال الذي من خلفه ترسانة غربية ضخمة، ليس مطروحا، والسبب باختصار لأن هذا المحور سبب تمكنه الأول هو التحالف الغربي الذي يعاديه علنا اليوم، نعم سيحدث أذية وألما ويضرب اليهود ولكن لا يتجاوز إلى حد اقتلاع مشروعهم من المنطقة لأنه حقا لا يملك المقومات لتحقيق ذلك.
فالمدد من خلف البحار مستمر والقوى الغربية متحالفة لإسناد الاحتلال والتركيبة الداخلية للمحور ضعيفة لتتمكن من الصمود أمام تحالف دولي كهذا.
ونرى جميعا كيف أطلق الأمريكي يد الصهاينة يدمرون لبنان كما دمروا غزة ولن يفرقوا بين حجر وشجر ولا حي ولا ميت!
وهذا صراع يتطلب أن يتبناه أصحابه، لأنه مستمر ويقوم على عقيدة واحدة وأهداف واحدة لا تجتمع في تحالف مع الرافضة وإن هون من ذلك السطحيون!
ولكن العكس متوقع جدا، الاحتلال المدعوم دوما بالتحالف الغربي والأنظمة المحلية، يمكنه أن يضعف الحلف الرافضي، نعم يمكنه ذلك بل يمكنه أن يخرجه من كل المنطقة، ولكنه لن يفعل، وسيكتفي بقصقصة أجنحته،
وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه ويخشاه الناس: هل في ضعفه خير أم شر؟
قلنا: في ضعفه خير، ستتنفس سوريا ولبنان والعراق، وسيكون هناك انفراجة لأهل السنة تسمح لهم بالبناء لما هو آت.
هؤلاء هم الأمل لقضية فلسطين، أبناء الدول المحتلة من الهلال الرافضي! وليس محور المقاومة الرافضي.
فلا تصنعوا اليأس في قلوب الناس ولا تعلقوهم بأستار إيران وكأنه لا مخرج سواها، ولا تقتلوا روح الانبعاث في داخلها،
والأهم من ذلك يكفي رجاء من التعامل مع المسلمين على أنهم مجرد متفرجين ليس لديهم سوى الحزن والفرح والتفاعل العاطفي، ونتقاتل نحن على الحكم على مشاعر الحزن والفرح لشدة الترف الفكري الذي نعيشه،
يكفي من معاملة الناس بمنطق المشاهد وعقلية المتفرج أو القاضي، لننظر لهم كمشروع ينتظر الأسباب لينطلق، وليعرف كل موقعه! بدل انتظار محور رافضي أو محور صهيوني يحسم المسألة!
ولو ذهبنا إلى حد أحلامكم الوردية، وافترضنا جدلا أن الرافضة هزموا الاحتلال وكسروه، ستكون السيادة لهم في المنطقة،
فمن أين سنأتي بقوة انبعاث تتخلص منهم؟
وسيناريو سوريا والعراق واليمن يتكرر أماما أعيننا بطائفية خبيثة مقيتة تتفنن في تسطير المجازر تماما بل أشنع من التي سطرها اليهود،
من أين لنا بفرصة أخرى لانبعاث مشروع سني مستقل؟
وإن كان حقا التعويل على أن يهزم المحور الإيراني الاحتلال حلم بعيد المنال!
تبقى القضية هي أن الاختلاف بين القراءتين لما يمكن أن يؤول له المشهد:
الاختلاف يقع تحديدا في درجة الثقة في وجود روح مقاومة بين المسلمين في هذه المنطقة قادرة على اقتلاع المشروع الصهيوني!
فنحن نرى أنه يتفق مع الخلفية التاريخية والعقدية والواقعية والمستقبلية للمنطقة، ونرى أن الأسباب تتهيأ لوجوب قيام المشروع السني رغم أنف الجميع.
ولكن حتى يقوم يجب أن يتحرر من حصار الرافضة له. الذين جعلهم الحلف الصهيوصليبي تحديدا في المنطقة لمنع قيامه.
ويبدو أن الطرف المعول باستماتة على إيران، فاقد الثقة تماما في إمكانية إيجاد مشروع سني ولذلك يضع جميع رهاناته في المحور الإيراني!
للتنبيه، هذه قراءة، وتحليل لمحاولة فهم أين يذهب الاختلاف ولكسر التبعية المذلة والتفكير المحدود عند تناول قضية غزة وفلسطين. ولتبيان أن هناك فرصة في ما يحدث، ولا يعني ذلك تمني أن ينتصر اليهود أو ينتصر الرافضة أو أي ظالم كان، بل يعني أن نعد أنفسنا لأي احتمال كان لصالح مشروع سني مستقل يجب أن يخرج من تحت الرماد، فهو يستعر!
هذا هو الحل الوحيد لقضايا المنطقة برمتها، الحل الدائم والجذري، للاجئين في خيم سوريا الباردة والجوعى في قطاع غزة المنكوب، والمترقبين صواريخ الغدر والطغيان في لبنان، ولأهل العراق الذين ذبحوا بصمت ونسيهم العالم، ولأبناء اليمن الذين يخشون التلميح فكيف بالتصريح! ولكل مسلم حر يحترق شوقا لكسر أغلال الحكم الجبري.
وهذا من صميم الإعداد كما أمرنا الله تعالى.. سبحانه يدبر الأمور بمشيئته، رضينا بكل ما قضاه ودبره. له الحكم والفصل هو الخبير بعباده جل جلاله لا يظلم أحدا!
في الختام حسم هذه المسألة في الواقع سهل! إن تحدث الجميع بلغة العقل والصدق والأمانة وتخلصوا من سطوة الهوى والتردد، وبما أنكم ترونها مساحة اختلاف، فليسع كل مجتهد اجتهاده ولكن لا تصنعوا التعايش مع الذلة والتبعية في قلوب الأجيال، احفظوا شرفا للخصومة فالزمن يدور ولا يبقى حال على ما هو، وسنن الله في الأرض ماضية ترسم مسار هذه الأمة، طوعا أو كرها.
وأستحضر في هذا المقام ما كتبه ابن القيم رحمه الله حين قال: «الدنيا مضمار سباق وقد انعقد الغبار وخفي السابق والناس في المضمار بين فارس وراجل وأصحاب حمر مُعقرة، سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار».
ولمن تفرس فيها علم أن النهايات هي الفيصل في كل صراع.
ولا طائل من تشويش الغبار.
(عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
أولئك الذين يزرعون الأسى في القلوب ويبثون الإرجاف والتشاؤم لمقتل أو هزيمة محور إيران، هم العدو فاحذرهم.
الجهاد روح في هذه الأمة تسري، وسيخرج القادة والجند الميامين كلما تيسرت لهم الأسباب لذلك إلى يوم الفتح المبين.
فمن أرادها مناحة كربلائية فلا يزكم أنوف الأحرار بانهزاميته.
ستخرج من تحت الرماد نار تحرق كل عدو وطاغية.
فانتظروا والله إنه لحق!