السبت يوليو 6, 2024
مقالات

محمد إلهامي يكتب: الأحداث خير مُعَلِّم..

والله إن الحدث ليأتي فإذا الفكرة التي كنا ننحت الصخر في توصيلها دهرا تبدو -في ظل الحدث- واضحة كأنها الشمس!

والله إن الحدث يأتي فإذا الفكرة التي كنا ننحت الصخر في حربها تبدو -في ظل الحداث المواتي- كأنها تتبخر رمادا!

وفي القرآن الكريم دليل على هذا، كقوله تعالى {وإذا مسَّكم الضرُّ في البحر ضلَّ من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البرّ أعرضتم، وكان الإنسان كفورا}

ولقد والله جلستُ مع أناس ما كنتُ أجرؤ على أن أقول ما في نفسي وأحاول التمهيد والتهيئة له بالمقدمات والمداخل، ثم ننصرف فلا نتفق، وفي النفوس ما فيها!

فإذا جاء الحدث رأيتُه يسبق ما كنتُ أقول، ويريد أن يحملني معه على ما أحسبه أنا من الغلو!

أكتب هذه المقدمة لأني أريد أن أقول شيئا عظيم الأهمية..

إن الأفكار التي نحملها الآن، أو التي تكشفت لبعضنا الآن، في ظل الواقعة الكاشفة طوفان الأقصى يجب أن تبقى حية واضحة نابضة، لا نحتاج بعد زمان إلى إعادة مناقشتها أو إلى الاختلاف حولها من جديد!!

وكما جاء في الآية المذكورة، فإن الضلال والشر كامن فيما يمكن أن نسميه «النسيان»، أو «تجاوز التجربة».. كهذا الذي تذكر الله عند الشدة والغرق، فلما نجا إلى البر نسي وأعرض..

والخاسر في هذا هو نحن.. فنحن الذين ندفع الثمن.. اسمع إلى قول الله تعالى {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم}.. والآن، اقرأها بقلبك في الآية كلها:

{هو الذي يسيركم في البحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف، وجاءهم الموج من كل مكان، وظنوا أنهم أُحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين

فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق. يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم. متاع الحياة الدنيا}

نحن الخاسرون إذا نسينا، وإذا مرت بنا التجارب فعدنا بعدها كأن لم تكن..

الآن، أريد أن أقول بوضوح:

نحن الآن في مأساة غزة نرى ونشعر بأقسى وأقصى شعور ماذا يعني أن يحكمنا الخونة.. غزة تذبح ذبحا، ومشاهدها تنقل على الهواء مباشرة، ولا يستطيع شعب مصر ولا شعب الأردن أن يدخلوا إلى غزة قشة، ولا أن يرفعوا عنها قنبلة، بل ولا يسمح النظام المصري بدخول مصريين من غزة إلى مصر إلا بإذن الصهاينة..

نحن الآن نشعر -لسنا نعرف فحسب- معنى أن تكون جيوشنا بلا فائدة ولا قيمة لنا.. بل كل فائدتها وقيمتها هي لعدونا.. أسلحة مكدسة وصفقات خيالية ومزايا ورواتب هائلة.. كلها دفعناها من أموالنا ودمائنا.. ثم ها هي تحرس العدو وتكبل الناس.. جيوش صُنِعت لقتلنا وحصار إخواننا وتنفيذ سياسة عدونا!

نحن الآن نحس ونلمس ونكتوي معنى أن تُذِلَّ إسرائيل كل المجال المحيط بها، بل كيف يتآمرون معها على إخواننا ويحثونها على سرعة القضاء على المقاومة!!

الخلاصة.. هذا الشعور الذي نلمسه بالدماء الآن، ونتذوق طعمه بالدماء، ويملأ صدورنا وقلوبنا قهرا.. يجب ألا ننساه أبدا.. يجب ألا نستهين بشأن الحكم والسياسة والسلطة.. ولا أن نستهين بالأراذل الأسافل الأوساخ الذين يؤيدون حكم هؤلاء المجرمين الطغاة الخونة.. أولئك الذين سيدعون إلى انتخابهم أو إلى مبايعتهم أو إلى الحفاظ على عروشهم.

وهذا الكلام يشمل حركة حماس نفسها، وقياداتها التي تستسهل مجاملة الخونة بداية من عباس وانتهاء بالسيسي.. ولقد شهدتُ أحدهم يذكر السيسي مرة فيراه «ديكتاتورا وطنيا» ويدعو بعض معارضيه إلى التماس المصالحة معه!!

إن تلميع الخونة والعملاء ندفع ثمنه من الدماء.. فالخونة لا يؤثر فيهم التلميع بل يستغلونه.. وهذه الضفة الغربية ثم الدول العربية كلها، ما نفعت مجاملة الخونة فيها شيئا.. بل كانت هذه المجاملات من أدوات الخونة لترسيخ سلطتهم، وفوقها جرعة كبيرة من تشويه الوعي.

حتى حركة حماس نفسها يجب أن تراجع سياسة المجاملة التي درجت عليها، ولتعد تقييمها، ولتنظر: من استفاد منها أكثر من الآخر.

إن المشاعر ستهدأ، تلك طبيعة البشر.. سواء ستهدأ لهدوء وتيرة الحرب، أو ستهدأ بفعل التعود عليها.. ولكن الضلالة والشر هو في نسيان التجربة والغفلة عن الحقائق المكتشفة!!

إن بقاء الأنظمة الخائنة هو بقاؤنا جميعا في العجز والقهر والذلة والتخلف، هو البقاء دائما في وضع المذبوح والمقتول والمقصوف والمشرد، هو الخسارة الفادحة التي دفعناها في حروب سابقة، وفي هذه الحرب، وفي الحروب القادمة كذلك.

لنتخيل كيف كان سيحدث لو كانت غزة تخوض هذه الحرب وحولها أنظمة وطنية مخلصة للعروبة والإسلام!! لنتخيل ثم لنتبيَّن حجم الفارق الضخم والتحول المهول!!

ثم لنُخَزِّن هذا التصور وهذا الشعور في الذاكرة، ذاكرة العقل وذاكرة القلب معا.. ولنحرص على بقاء هذا الشعور حيا.. لكي نعرف حجم الجريمة والخيانة التي سيرتكبها جميع من يساند هذه الأنظمة ولو بكلمة!

ما زال وجه الخير، أبو عبيدة، يخرج علينا ويأتينا بالبشائر..

لا حرمنا الله منك ومن بشائرك يا أبا عبيدة.. إنها حياة للأمة كلها، وشعاع نور براق يلمع في ظلام شديد!!

حفظكم الله وسائر من أحبكم، ولعن الله كل من أبغضكم وتمنى لكم السوء!

لكم كان مؤثرا قوله: دمرنا آليات العدو التي كان بإمكانها أن تحتل بلدا كبيرا، فعجزت أن تدخل أرضا لا دبابة فيها ولا طائرة ولا مجنزرة، بل وليس فيها كهف ولا جبل ولا تضاريس!!

صدقت صدقت.. كانت إسرائيل تلتهم الدول كأنها تقضم الشطائر، وتشرب الجيوش كأنها تشرب العصائر، وتلتقط الأسرى كأنها تلتقط حبات المكسرات من بين أنواع الطعام!!

حكامنا خونة يا أبا عبيدة.. وجيوشنا هراء وهواء.. وأسلحتنا لا تشترى إلا ليكسب من وراء صفقاتها أصحاب الكروش والعروش!!

هل رأيت قبل الآن جيوشا قادتها أصحاب كروش؟!! هؤلاء قادة جيوشنا التي لم تصنع إلا لقتلنا، ولحصاركم..

ووالله يا أبا عبيدة، لولا أن فيكم بأسا، لرأيتهم يقاتلونكم قبل أن تقاتلكم إسرائيل نفسها!!

حفظكم الله، وأنبت فينا أمثالكم..

Please follow and like us:
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب