السبت يوليو 6, 2024
مقالات

محمد إلهامي يكتب: حقيقة الصورة

ليت الحياة تتسع للفراغ، وليت اختيارك لشيء يمنعك من اختيار ضده فتسلم من كل المطروح إلا ما أردته، فالواقع يفرض عليك أحد اختيارين أو أحد الاختيارات، ولا يعفيك من كل اختيار، ولقد كان هذا من أمر يوسف عليه السلام: إما المعصية وإما السجن، فلم يكن هناك اختيار العافية من كل وجه: عافية الترك للمعصية وعافية عدم السجن، بل إما هذه المعصية وإما السجن.

هكذا تضعك الدنيا في أقدارها وحكمها.

الذين يتكلمون عن الجهاد كمخرب للأوطان وقاتل لفلذات الأكباد ومزيل للنعم يضعونه كخيار مقابل العافية والسلامة من كل وجه، فيبدو لك الجهاد مؤلما وضده العافية والسلامة في الدين والدنيا، وليت ما يقولونه صحيح ليصح حكمهم ولو من جهة الدنيا على الجهاد، إذ يهجر ويترك.

هذه قسمة غير صحيحة ولا عادلة.

الحقيقة إما اختيار الجهاد مع آلامه وقسوته من موت وخراب وهجر وإما المعصية، فالطاغوت العالمي والقطري يريد منك ترك دينك، ولذلك يمسح الآيات من كتب الدراسة، ويمنع الخطباء الذين يعلمون عقيدة الولاء والبراء، ويسجن كل من عارض إدخال اليهود خلل الديار والرؤوس، ولذلك الخيار الذي يقابل الجهاد هو أسوأ كثيرا من مجرد معصية؛ بل هو: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر}، فحينها إما خراب دنياك أو خراب دينك، لا توسط بينهما.

والصورة التي يجب أن يقع بينها المقارنة هي الصورة التالية:

– فساد في الدين والتوحيد، وفساد في القيم، وتهتك وانحلال من كل وجه، ودخول الشيطان في ولدك وأهلك وعملك وعقلك.

– وإما فساد دنياك من خراب بيت وقتل حبيب وزوال نعمة ظاهرة.

وليست الصورة بين دين محفوظ مع عافية ونعمة وبين جهاد وخراب دنيا؛ فتُقَدَّم العافية على البلاء، فهذه صورة لا يتسع لها مشهد الحياة، بل هي من خيالات الشر والشيطان ليحزن الذين آمنوا إن رأوا خراب دنياهم حين يعلن الجهاد، وهي صورة يقدمها مشايخ البهتان ليكره الناس الجهاد والقتال في سبيل الله.

فعرض صورة الخراب مع الجهاد بهذا التجريد مراده بغض أعظم ما يحقق الخير لأمتنا ويزيل عنها الذلة والمهانة، وهو الجهاد، لئلا تصحو الأمة، ولئلا تحاول السعي لواجباتها في الحياة.

الذين يبغضّون الجهاد للأمة بعرض صور البلاء المرافق له في حياتنا إنما ينفذون مراد الشيطان وجنده حتى لا تنهض الأمة لمهماتها، والجواب على هؤلاء هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ويقذف في قلوبكم الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت، فالذين يخرجون من تلعب الشيطان وجنوده خاصة من الإنس هو من أحب الآخرة وترك حب الدنيا.

الله يقول: {لن يضروكم إلا أذى}؛ فما يصيب الأمة من الجهاد هو مجرد أذى؛ إن سلمت لهم عقائدهم وتوحيدهم وطاعتهم.

Please follow and like us:
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب