السبت يوليو 6, 2024
مقالات

محمد إلهامي يكتب: طوفان الأقصى.. ومعركة آخر الزمان

في الحديث الصحيح الذي يروي فيه النبي ﷺ معركة آخر الزمان إشارة إلى ظاهرة متكررة في المواقف الكبيرة والملاحم العظيمة، ومنها ما نراه الآن ظاهرا بشدة في معركة طوفان الأقصى.

ذكر النبي ﷺ أن الروم (الغربيون بمصطلحنا المعاصر) سينزلون بجيوشهم إلى أرض الشام، وسيخرج إليهم جيش المسلمين لقتالهم، ولكن هؤلاء الروم سيطالبون بتسليم جماعة معينة إليهم، فهذا هو السبب المباشر للحرب.

جاء في الحديث: «فإذا تصادفوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم»

وقد توقف العلماء عند هذه الكلمة «سبوا منا»، وقد رُويت بلفظ «سُبُوا منَّا»، وبلفظ «سَبَوْا منا».. والمعنيان يتلاءمان.

فهم إما أن يكونوا جماعة من الروم أسلموا ودخلوا في الإسلام وأخلصوا للمسلمين، وصاروا أشداء على الروم وخطرا عليهم بما يعرفونه من أسرارهم وقدراتهم وخبراتهم.. فهذا معنى “سُبُوا منا”.

وإما أن يكونوا جماعة من المسلمين قاتلوا الروم واستطاعوا أن يهزموهم وأن يأسروا منهم.. فهذا معنى «سَبَوْا منا»، أي أسروا منا.. وحينئذ فكأن «الغرب» يحارب يريد مكافحة «الإرهاب» ويريد أن يقاتل «جماعة إرهابية» بعينها أصابت منه خسائر كبيرة، ولكن المسلمين لا يتركونهم ولا يُسْلمونهم.

وقد يتلاءم المعنيان إن كان هؤلاء الذين أسلموا من الروم، قد بلغ من إخلاصهم للإسلام أن يقاتلوا الروم في صف المسلمين، وهم بما لهم من معرفة وخبرة بالروم قد استطاعوا أن يصيبهم منهم أسرى آخرين.

والعلماء الذين شرحوا الحديث لم يستغربوا هذا المعنى، وذلك أن الفتوحات الإسلامية قد جاءت إلى الإسلام بأقوام أخلصوا له إخلاصا شديدا حتى استكملوا هم فتح بلادهم والبلاد التي تليهم (من أراد المزيد في هذا فلينظر الجزء الأول من كتابي في أروقة التاريخ، عند فصل: معجزة الفتوحات الإسلامية).

ومن ثم، فليس من الغريب أن يأتي الروم يوما ويطالبوا بتسليم المقاتلين الذين كانوا سابقا تابعين لهم، وصاروا الآن تابعين للمسلمين.

سآتي بعد قليل إلى العلاقة بين ما في هذا الحديث، وما حصل في طوفان الأقصى..

وذكر النبي ﷺ أن المسلمين سيرفضون تسليم هؤلاء، ولهذا تندلع المعركة العظمى، قال ﷺ «فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا».

أهم ما في المشهد كله، هو هذا التقسيم الذي ذكره النبي ﷺ لجيش المسلمين ومصيره، فقد قال ﷺ:

1- «فينهزم ثُلُثٌ لا يتوب الله عليهم أبدا».. وهكذا نرى أن ثلث الجيش الإسلامي سينهزم، بمعنى أنه سيفرّ ويهرب، أو سيرتد عن الإسلام أو عن الجهاد، أو سيلحق بالغربيين ويخضع لهم.. فهذا الذي يُستفاد من وصف أن الله لن يتوب عليهم، وهو وصف يلحق بالذين كفروا وارتدوا، لا بمن انسحب جبنا وخوفا فحسب.

2- «ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله».. والثلث الثاني من الجيش سيُقتلون ليكونوا أفضل الشهداء عند الله.

3- «ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا».. والثلث الباقي هو الذي سينتصر، وهؤلاء بانتصارهم هذا بعد الجهاد المرير سيكونون قد نجحوا في اختبار الفتن الدينية والدنيوية، وضمنوا بذلك الجنة مع النصر.

كان لا بد من هذا الشرح، لكي أضع الصورة أمام من لم يكن يعرف الحديث.. ثم نأتي للعلاقة بين هذا وبين طوفان الأقصى.

من بين الأنواع المذكورة في الحديث، يهمني التوقف عند نوعيْن فحسب: هؤلاء الذين كانوا مع الروم ثم جاءوا وانضموا إلى المسلمين. وهؤلاء الذين كانوا في جيش المسلمين يستعدون للجهاد فلم يلبثوا أن كفروا وارتدوا ولحقوا بالروم!!!

في أكثر معارك المسلمين تظهر دائما فئة المعادن الطيبة الأصيلة من الروم، أولئك الذين ينحازون إلى المسلمين، فيسلموا، وقد يجاهدون معهم.. ببحث بسيط على الانترنت يمكنك أن ترى عددا من الأسرى والأسيرات من الأمريكان والإنجليز والفرنسيين أسلموا في أسرهم عند الجماعات الجهادية وفصائل المقاومة، وبعضهم قاتل معهم.

وهذه قصة أولها عند الفتوحات الإسلامية، وآخرها لا نزال نراه في أفغانستان والعراق والشام ومالي وغيرها.. وها نحن نرى أمثالها في طوفان الأقصى ليس فقط من أولئك الأسرى لدى حماس، بل من أولئك الذين يُسلمون تأثرا على التيكتوك واليوتيوب وغيرهم من المشاهير.

وأما الفئة الثانية ذات المصير الخطير والمروع، فهم أولئك الذين كانوا في جيش المسلمين، وعلى استعداد للجهاد، ولكنهم سيرتدون وسينهزمون ولا يتوب الله عليهم أبدا. إما لأنهم فُتِنوا بالروم وقوتهم وحضارتهم وتفوقهم فالتحقوا بهم، أو لأنهم استثقلوا ضريبة القتال فكفروا بالجهاد كمبدأ وطريقة من الأساس، أو لغير ذلك من أسباب غير معروفة، لم يُفَصِّل فيها الحديث.

وها هي طوفان الأقصى، مثل ما سبقها من معارك الأمة ومشاهدها العظيمة، نرى فيها أناسا يلتحقون بالعدو وينطقون بلسانه ويدفعون عنه، مثلما نرى فيها أناسا يستهولون التكلفة ويستعظمون الألم ويستكثرون التضحية، فيسوقهم هذا إلى الانفضاض عن شأن الجهاد، من بعد ما كانوا عمليا في صفوف المسلمين بل في صفوف الدعاة إلى الله!

إنه أمر هائل مروع، يستحق من كل واحد فينا وقفة مع نفسه، وتفتيشا في عقله وقلبه، ومراجعة لشأنه وأمره.. نسأل الله تعالى أن يقبضنا إليه غير مفتونين.

Please follow and like us:
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب