السبت يوليو 6, 2024
مقالات

محمد إلهامي يكتب: ما هو دور الشعوب في نصرة المقاومة؟

السؤال: بعيدا عن الحكومات التي أمطرناها سبا وشتائم، ما هو دورنا نحن كشعوب في إنجاد إخواننا في غزة أو في الشام أو في أي مكان؟

الجواب في عدة نقاط كلها مهمة وكلها مقصودة معا، ولكن أهمها على الإطلاق النقطة الثالثة، فإن لم تكن تنوي قراءتها، فلا تضيع وقتك من الآن، ودعك من كلامي كله، فلن يكون مفيدا لك:

1- هذا سؤال يطرحه بعضهم بدافع المحبة والحرص على أداء الواجب، ويطرحه آخرون مغرضون بدافع رفع الحرج عن الأنظمة الإجرامية الخائنة، وإلقاء العبء على الشعوب.

فأما القسم الأول فليبق معي إلى السطور التالية. وأما القسم الثاني: فأسأل الله أن يخزيك ويفضحك ويكشف سترك يا عبد الأنظمة المجرمة، وأنت نفسك جزء من النكبة، وما عملك هذا ولا سؤالك إلا مزيدا من تخذيل الناس وتثبيطهم وتمكين العجز منهم.

2- نحن الشعوب بيدنا أشياء يمكن أن نقوم بها لنصرة إخواننا في غزة وفي الشام وفي غيرها، بعضها عاجل وممكن، وبعضها طويل الأمد.

فمن هذه الأمور العاجلة: المقاطعة، والتبرع بالمال، والجهاد بالنفس لمن استطاع، ونشر القضية، وخوض المعركة الإعلامية لدحض العدو وتحريض الصديق وجذب المحايد.. إلخ!

ومن الأمور التي تأخذ أمدا، ويمكن نجد ثمرتها في جولات أخرى قادمة: الإعداد البدني والروحي لخوض الجهاد بالنفس، وإعداد القوة العلمية والتقنية التي يمكن أن تفيد المجهود المقاوم وتكسر تفوق العدو، وإعداد القوة الاقتصادية التي تساهم في تمويل عمل المجاهدين، وهذه أمورٌ يأخذ منها كل إنسان بحسب ما أعطاه الله من المواهب والإمكانيات والطاقات، وبحسب ما رزقه من وضع اجتماعي واقتصادي وثقافي.

3- وهنا النقطة الأخطر.. كل هذا الذي قلتُه سابقا سيكون أمرا تافها ومحدود التأثير أو حتى عديم التأثير.. لأن لدينا شيطانا يقف في الطريق أمام كل هذه الحلول.. واسمع معي منتبها أكرمك الله:

نحن الآن في عالَمٍ جرى تركيبه وتكوين نظامه السياسي -ضمن فصول طويلة وعريضة لا يتسع لها المقام الآن- على طريقة تجعل كل أنواع القوة مُحْتَكَرة ومجموعة ومكنوزة ومحصورة في يد «السُلْطَة» أو «الدولة».

صحيح أن السلطة عبر كل التاريخ كانت أقوى من المجتمع، لكن النظام القائم الآن، المعروف باسم «الحداثة، الدولة الحديثة، النظام العالمي» جعل فارق القوة والسيطرة هائلا ورهيبا إلى الحد الذي جعل الشعوب كالأسرى في الزنازين وكالدجاج في الأقفاص.

السلطة أو الدولة هي الشيطان الذي يقف في وجه كل هذه الحلول ويمكنه أن يجعلها بلا قيمة ولا أثر.

لو تأملت يسيرا لرأيت أن كل نشاط في نصرة القضية أو في إغاثة غزة هو النشاط الذي (تسمح، تأذن) به السلطة / الدولة.. ولذلك تعجز شعوب كبيرة عن مجرد التغريد على تويتر لأن التغريدة ربما يكون ثمنها 30 سنة سجنا كما هو في السعودية، وتعجز شعوب كثيرة عن جمع التبرعات لأن هذا قد يؤدي إلى مؤبدات وإعدامات بتهمة تمويل الإرهاب، بل تعجز شعوب حتى عن الدعاء الجهري في الصلوات لأن هذا قد يسحب صاحبه إلى السجن والتعذيب.

وإذا لم تكن السلطة قاهرة إلى هذا الحد فإنها يمكن أن تُفْسِد عليك كل العمل، فالشعب مهما أهلك نفسه في مقاطعة شركة ما أو دولة ما فربما تأتي السلطة وتعقد معها صفقة سلاح أو استثمار بملايين أضعاف ما قد خسرته من المقاطعة.

لو بذل جماعة من المهندسين والكيميائيين أقصى جهدهم في اختراع أسلحة تكسر تفوق العدو، ووصلوا حقا إلى نتيجة عظيمة، فإن مصيرهم سيكون السجن والقتل وتعطيل هذه النتيجة لو اكتشفت نفس هذه الدولة أية علاقة بينهم وبين حركات المقاومة!

أي جهاد اقتصادي أنبت كيانا اقتصاديا عظيما وفنيت فيه الأعمار والجهود، يمكن نسفه بجرة قلم، قرار أو قانون أو حتى حملة إعلامية ضارية.. ولولا أنني أريد الاختصار لضربت أمثلة مفجعة!

لهذا فالشعوب في كل العالم في محنة حقيقية مع نظام «الدولة الحديثة»، ولكن أشد هذه المحن نحن المسلمين، لأن هذه الدولة هي بيد الخونة والعملاء الذين يعملون ضدنا، نحن نعيش عصرا عنوانه «الدولة ضد الأمة»..

ويترتب على هذا الكلام نتائج كثيرة أهمها فيما يتعلق بموضوعنا:

أ- الإنقاذ الحقيقي الذي يمكن أن تقدمه الشعوب لإخوانهم في غزة هو تغيير الأنظمة، لا سيما أنظمة دول الطوق، والتي هي في نفس الوقت الدول الكبرى التي تقود المنطقة كلها.

ب- حيث أن محاولات التغيير السلمي مغلقة تماما، فهذا يجعل الأمر أكثر عسرا وصعوبة وكلفة.

ج- لكي تتصور حقيقة هذا الأمر وأنه ليس نوعا من المبالغة، تصور لو كان في مصر وسوريا والأردن والسعودية أنظمة حكم مخلصة للدين والعروبة بل حتى لمصلحتها الوطنية البحتة.. تصور ماذا كان يمكن أن يكون حجم الإسناد والقوة السياسية والعسكرية التي تتمتع بها غزة.

د- التركيز على الحكام والأنظمة ليس محاولة لتبرئة النفس ولا لرفع العبء عن الشعوب ولا إيجاد شماعات نعلق عليها العجز والفشل.. بل هو في الحقيقة والواقع وضع العبء الأكبر على النفس وعلى الشعوب لبذل جهودها في حلول حقيقية ومؤثرة وناجزة، وليس تسكينا لها بمخدرات ومُسكِّنات: التبرع والمقاطعة وخوض المعركة الإعلامية.

أتمنى أن تكون وصلتَ معي إلى هذا السطر، كما أتمنى أن تكون الفكرة قد وصلت بشكل واضح ومفهوم.

Please follow and like us:
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب