السبت يوليو 6, 2024
أقلام حرة

محمد إلهامي يكتب: وقفة في بشائر طوفان الأقصى

هذا الطوفان الدموي الذي تقترفه إسرائيل في غزة دليلٌ على قوة الصدمة، فالثور الهائج الذي طُعِن من حيث لا يحتسب طعنة غزيّة ماجدة يحاول أن يبحث عن أي “مشهد” يستردّ به كرامته المسكوبة المبعثرة!

هذا الهياج الفوضوي هو بحد ذاته نوعٌ من البشرى، فالضربات العمياء لا تغير كثيرا من موازين القوى.. ولكن، ومع كل الألم الذي يقع علينا، أحب أن ألفت النظر إلى بعض ما يمثل نقاط قوة لنا ونقاط ضعف لدى العدو:

أولا: الجبهة الداخلية المعرضة للانهيار لدى العدو، وذلك بسبب:

1- الصدمة النفسية المروعة من هذا الاجتياح، وهي الصدمة التي تصيب العسكريين والسياسيين على حد سواء.

2- العدد الكبير من القتلى العسكريين، وكلهم من فرقة غزة، الذين هم خبراء هذا الملف.. فخسارتهم بحد ذاتها خسارة فادحة، ثم إن خسارتهم في أثناء حرب مع غزة هي خسارة مضاعفة.

3- العدد الكبير ممن يحملون جنسية أخرى بخلاف الجنسية الإسرائيلية، وهو ما يجعل بديل الهروب والانسحاب والهجرة قريبا ومتاحا وممكنا.

4- الحالة الديمقراطية القوية التي تتمتع بها إسرائيل، ومهما كان الموقف الآن من الديمقراطية، ففي الواقع أنها في لحظات الحروب تكون عيبا قاتلا.. وما لم تكن القيادة قوية جدا فإن الحالة الديمقراطية تشلُّها. ومن يتابع الإعلام الإسرائيلي يجد مجتمعا منقسما بشدة تجاه التصرف الصحيح في شأن غزة، وهو الانقسام الذي سيزداد ويتشعب كلما طالت المعركة.

5- المجتمع الإسرائيلي نفسه، المنقسم على نفسه، والحافل بالمشكلات البينية، فمن لم يكن مؤمنا بالله وبقوله تعالى {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}، فليقرأ بعض الدراسات المنشورة والوثائقيات عن هذا المجتمع الذي يظهر كجسد واحد، بينما هو مشدود بالكثير من الروابط الطبية والرُّقع التجميلية.

يجب أن نتذكر دائما أن الحروب الإسرائيلية كانت سريعة وخاطفة طوال تاريخها، بل إن سعد الشاذلي بنى خطة أكتوبر كلها على أن المجتمع الإسرائيلي لا يطيق الحرب الطويلة اقتصاديا واجتماعيا..

ولو قارنا الآن بين المجتمع الإسرائيلي قبل خمسين سنة، وبينه الآن، فالعوامل الأساسية تدفع باتجاه إلى أن المجتمع الآن أضعف بكثير مما كان عليه:

أ- فالمجتمع الإسرائيلي صورة من المجتمع الغربي الذي تنهشة الفردانية والشهوانية والإباحية بأضعاف مما كان قبل نصف قرن، وهذا يضعف إرادة الحرب وعناصرها.

ب- والمجتمع الإسرائيلي الآن هو الجيل الثالث والرابع، بينما الذين حاربوا في 1973 كانوا بقية الجيل الأول والثاني.. ومن حقائق الاجتماع أن الأجيال التالية التي نشأت في الاستقرار والتمكن أضعف بكثير من أجيال المؤسسين.

ثانيا: الحالة غير المواتية إقليميا، رغم ما يظهر من سعادة الجميع ودعمهم بهذا الانتقام الإسرائيلي، وذلك بسبب:

6- الثورات التي لم تضع أوزارها بعد، والتي ما زال طيفها يداعب خيال الشعوب عند كل حدث، وإذا كانت حركة الشعوب العربية تنتقل سريعا بالعدوى، فالقضية الفلسطينية من أكثر ما يثير هذه المشاعر، فاشتعال الشوارع أمر غير مضمون، وهو أيضا غير مأمون.

7- ما زالت أنظمة الثورة المضادة تعاني من عدم الاستقرار والتمكن، لا سيما نظام #السيسي في مصر، وهي قلب العالم الإسلامي وحجر الزاوية في قضية غزة وفلسطين. والشعب المصري لديه كل الأسباب التي ترشحه لانتفاضة جديدة، بل في داخل نظام السيسي أجنحة تستعلن بالوقوف ضده. ومثل هذه الأوضاع لا يُضمن اشتعالها مع أية شرارة. أو حتى إذا أصابَ أحدَهم شيء من يقظة ضمير أو نشوة طموح!

8- الضربة التي تعرض لها مشروع التطبيع بحرب 7 أكتوبر 2023، مما سيحمل الجميع على التباطؤ أو التأجيل لخطوات سريعة وعلنية في هذا المسار.. ومع كثرة الدماء سيزداد الحرج والقلق في أروقة هذه الأنظمة في استئناف هذا المسار “علانية”.

9- انعدام البديل لمن يرث الحكم في غزة، فلا دحلان صار يملك أن يكون بديلا، ولا عباس يستطيع أن يطأ غزة بقدمه، ولا السيسي بقادر على أن يعيد نظام الإدارة المصرية في غزة.. وهذا كله يجعل المشكلة العويصة قائمة في الوصول إلى حل في غزة. وفي اللحظة التي يُفقد فيها تحديد الهدف الاستراتيجي تنتهي الحرب بلا كثير تغيير في معادلة الحرب.. ويخرج الأقوى فاشلا ومهزوما مع أنه سفك الكثير من الدماء، تماما مثلما حدث للأمريكان والتحالف الدولي في أفغانستان.

كذلك فإن نقاش البديل يثير مشكلات في صف الحلفاء، بين الحلول نفسها، وبين البدلاء الذين ينفذون هذه الحلول.. وهذا أمر كلما طال تفسخت التحالفات.

لهذا كله، فمن مصلحة أنظمة الإقليم انتهاء الحرب سريعا، حتى لو أنهم تمنوا أن تزول حماس بالكلية!

ثالثا: الحالة غير المواتية دوليا لاستمرار الحرب، وهنا 3 أسئلة:

10- هل يريد الأمريكان أو يقبلون اشتعال حرب جديدة في الشرق الأوسط؟

الإجابة كما تبدو حتى الآن: لا. ولهذا تشدد التصريحات الأمريكية منذ اللحظة الأولى على “ألا يحاول أحد استغلال هذه الأوضاع”.. بل إن مواقف متقدمة لروسيا والصين في هذا الملف حتى الآن، تثير مزيدا من المشكلات، وترشح الملف لتدخلات جديدة..

فإذا كان الأمريكان، كما كان يبدو، تريد أن تهدئ من ملف الشرق الأوسط زمنا لتعالج مشكلة الصين.. فليس من مصلحتهم الآن اشتعال الشرق الأوسط من جديد، خصوصا مع الوضع الهش القابل للاشتعال في عدد من بلدان الشرق الأوسط.

لو صدقت هذه القراءة فسيكون الأمريكان من أنصار نهاية سريعة للحرب، لكن يظل السؤال: كيف تكون النهاية التي تحفظ كرامة الجيش الإسرائيلي المسفوكة؟ وتعيد حماس إلى مربع أقل وأضعف مما كانت عليه يوم 6 أكتوبر 2023م.

11- هل تتحمل أوروبا حربا أخرى إلى جوار حرب أوكرانيا؟ تبدو الإجابة أيضا: لا. وهنا -إن صدقت هذه القراءة أيضا- فسيكون العمل على سرعة إنهاء الحرب.

12- إلى أي مدى يمكن أن يحاول الروس والصينيون الدخول على خط هذه الحرب، حتى لو من قبيل المناكفة وطرح بدائل جديدة؟

إن مجرد حصول المنافسة والبدائل في قضية كهذه، سيكون مزعجا للأمريكان والإسرائيليين والأوروبيين، وهذا سيساهم أيضا في سرعة إنهاء الحرب.

والخلاصة المقصودة:

في هذه الحرب، رغم كل الألم والدموية التي تصبغ وجه غزة، ورغم قوافل الشهداء ومواكبهم الممتدة والمتزاحمة، ففيها من البشائر وعناصر الأمل ما يحمل كل مسلم على أن يقوي فيها نفسه وأهله، ويدعم بما استطاع صمودهم وجهادهم وبذلهم وتضحياتهم، ويقوم بما وسعته طاقته وإمكاناته من كفاح بالنفس وبالمال وباللسان.. بالفكرة والإعلام والعلاقات والمجهود!!

كلما صمد أهل غزة، وكلما تحركت الشعوب العربية، كان الفرج أقرب وكان النصر أرسخ وأثبت.

{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، إن الله قوي عزيز}

{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض}

Please follow and like us:
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب