أقلام حرة

محمد خلف الله يكتب: في نقد الحركات الإسلامية

تقلبات الإسلاميين فور وصولهم كرسي الرئاسة ليست دلالة صحية ولا هي مراجعة موضوعية متقبلة، وليس الأمر متعلقاً فقط بضرورة التحول إلى فقه الدولة والبناء كما يحاولون العزف على هذه الوتيرة دوماً حينما تتناقض مواقفهم بشكل حدي مع أطروحاتهم الجذرية سابقاً. نعم صحيح للدولة ضرورتها السياسية المختلفة عن خط الحركة من قبل، ولكن التصرفات والتقلبات التي يبديها الإسلاميون ليست مجرد تماشٍ مع هذه الضرورة، بل يتعدى ذلك لتكون أقرب للتحولات الفكرية الكاملة.

والأغرب من كل ما سبق هو أن ذات هذه الحجة للتبرير لو قيلت لهم وهم في خانة المعارضة = لعدوا ذلك خللاً وتنازلاً وضعفاً!

وتكمن المشكلة الحقيقية في الفقر الكبير في بناء تصور للحكم في ظل الدولة الحديثة مع كافة تعقيدات الوضع العالمي، رغم ترديد شعارات: «الإسلام هو الحل»، إلا أن تفاصيل هذا الشعار أكبر من مجرد قوله بكثير، وتبرز أسئلة حساسة وجوهرية ما لم تقدم إجابة شافية عليها سيظل التخبط والتقلب هو النمط العام، وفي ظني أن أبرز خمسة أسئلة مفتاحية هي:

1- ما هي القيمة المركزية للحكم؟ هل تحقيق الرفاه المادي وفقط بمنطق الدولة الحديثة؟ أم تحقيق كلمة الله بمنطق الشريعة؟

2- ما هي القيمة المعيارية لقسمة الحقوق والواجبات؟ هل هي المواطنة بمنطق الدولة الحديثة؟ أم أن هناك تفاضل ديني تمييزي بين المسلم والكافر؟

3- ما هي رابطة العصبية بين الشعب؟ وما حدود الحركة السياسية؟ هل هي محكومة بمنطق الحدود القومية؟ أم هي متحركة بحركة الأمة والبعد الديني فقط؟

4- ما هي طبيعة العلاقة مع النظام الدولي وأذرعه السياسية والقانونية والاقتصادية والعسكرية (كالأمم المتحدة وصندوق النقد والمحكمة الدولية …إلخ)؟ وما هي حدودها؟

5- ما هي طبيعة السلطة الرشيدة من حيث التداول السلمي للسلطة والتشارك السياسي والمنافسة الحزبية الديمقراطية؟ باختصار: ما الموقف من الاستبداد؟

يمكن أن يفصّل أكثر في هذه الأسئلة أو يزاد عليها بطبيعة الحال، لكن عدم توفر رؤية واضحة للجماعات الإسلامية للإجابة عن هذه الأسئلة يجعلهم يتصرفون بمنحى شعاري فقط”الإسلام هو الحل” دون تحقيق أي معنى لهذا الشعار على أرض الواقع، وسيظل وضع الدين في الدولة محصوراً في نفس المساحات الدعوية المحضة التي هو فيها لو كان الحكم لفئة علمانية (ناعمة).

 وهنا يبرز السؤال الأهم:

ما هو المميز في تفضيل حكم الإسلاميين على غيرهم؟

قد لا يكون هناك إجابة واضحة إلا ما يتعلق بميزتين:

1- عدم التضييق على العمل الإسلامي نسبياً.

2- عدم الوصول لغلو علماني أتاتوركي متطرف.

 لكن ستظل بنية الدولة وجوهرها وحركتها الاقتصادية وتفاصيلها القانونية وسياستها الخارجية هي هي، دون أي مساس حقيقي غير هامشي بها.

في تقديري الشخصي، لابد لفئة ما من عقول الإسلاميين أن تكون على بعد تام من الممارسة الفعلية للسلطة في ظل الدولة الحديثة؛ لتكون هي الممثلة للآية «أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض» بحيث تستطيع النقد بحرية تامة دون دبلوماسية أو ضرورة سياسية، وتمارس مراجعة حقيقية مستمرة حتى لا يبرز تناقض الرؤية نفسها بسبب التقلبات المستمرة للفاعلين من الإسلاميين والتي أحياناً تمتد للعبث بأصل الدين نفسه ومحاولة أسلمة الحداثة نفسها وتطويع الشريعة لإسعافهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى