محمد شعبان أيوب يكتب: «السُّنن».. النظرة المادية للتاريخ
كانت النظرة المادية للتاريخ ولا تزال تستند إلى الملموس والعلاقات الاقتصادية لطبقات المجتمع في تشكيل التاريخ وسيرورته، وقد توصل إنجلز وماركس إلى أن محرك التاريخ يكمن في “صراع الطبقات”، وأن الطبقة العاملة هي التي تشكل هذا التاريخ والمجتمع، وبالمناسبة هذه النظرة تُشبه كثيرا نظرية «صراع الحضارات» لهنتجنتون من حيث استبطان المادية البحتة حتى في النظرة الرأسمالية للغرب.
ولكن الأبعاد الروحية للتاريخ والتي سمّاها القرآن بـ«السُّنن» كشفت لنا أن الإله العظيم هو الصانع المدبر الذي بيده مقاليد السموات والأرض، وأنه لم يخلق الأرض ثم تركها لشأنها كما يقول الدهرية، ولكنه كما يقول عن نفسه سبحانه: (كلّ يوم هو فِي شَأن)، وهذا الإله أكثر لنا من ذكر بني إسرائيل في القرآن الكريم، وكشف لنا طريقتهم في صناعة التاريخ والمجتمعات، وهي صنعة هدفها «الإفساد في الأرض»، ولهذا المكر الشديد هو سُبحانه الذي تكفّل بصدّهم وردّهم (كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله).
ولهذا البُعد الغيبي في قراءة التاريخ الديني على الأقل يمكنك أن تفهم أن «الفساد» و«الإفساد» و«الظلم» في الأرض عاقبته وخيمة على اليهود وغيرهم، وأولها أن يُسلط على القوم الذل وقهر العدو والمتغلّب، وفي تاريخ اليهود هذه الحقيقة الواضحة منذ بُختنصّر قبل آلاف السنين وحتى هتلر منذ سبعين سنة فقط، بل والوعد الإلهي إليهم أنهم مذلولون إلى يوم القيامة: (وإذ تأذَّن ربّك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة مَن يَسومهم سَوء العذاب إنّ ربّك لسريعُ العِقاب).