محمد صبيح يكتب: إلى أين نحن ذاهبون؟

تبنّي أمريكا والكيان الصهيوني لاستراتيجية «فرض السلام بالقوة» يعني أن القادم سيكون معركة مفتوحة في جميع مناطق الاحتكاك مع هاتين القوتين، وعلى جميع الدول الاستعداد للتغيرات القادمة، خصوصًا في الوطن العربي.
المقاومة تدرك ذلك جيدًا، وخطواتها الاستراتيجية والتكتيكية منذ السابع من أكتوبر تدلّ بوضوح على أنها اتخذت قرار المبادرة، والسبق بخطوة أو أكثر.
قرار المقاومة تعليق عملية تبادل الأسرى في هذا التوقيت يمثل مناورة في غاية الذكاء، إذ إنها نجحت خلال المرحلة الأولى من الحرب في تحقيق مكسبين استراتيجيين:
إعادة النازحين إلى مناطقهم،
وإعادة ترتيب صفوفها.
أما الآن، فهي قادرة على اتخاذ خطوة مثل هذه لتحقيق عدة أهداف، أهمها:
1- تخفيف معاناة الناس، وزيادة قدرتهم على الصمود والمواجهة.
2- إرباك مخطط ترامب-نتنياهو القائم على استمرار الحرب وتنفيذ التهجير بعد استعادة الأسرى.
وعليه، فقد سحبت المقاومة الاحتلال مرة أخرى إلى خيارين لا ثالث لهما: إما الالتزام بالاتفاق وتنفيذ شروطها،
أو المواجهة في توقيت لا يناسب تنفيذ مخططاتهم.
والتخبط الشديد في تصريحات قادة أمريكا والكيان الصهيوني بعد هذه الخطوة هو دليل واضح على عمق الأزمة التي وضعتهم فيها المقاومة.
على ماذا نحن مقبلون إذًا؟
كعرب ومسلمين، نحن جميعًا في قلب الطوفان. فمن يركب سفينة المقاومة سينجو، ومن اعتلى قمة جبله ينتظر هدوء الماء… سيبتلعه الطوفان.
والكرة الآن في ملعب الشعوب، التي لم يعد لديها أي خيار -ولا أي حجة- سوى النزول إلى الميادين والالتحاق بركب الناجين،
وكي تخفف من ضريبة المقاومة على الشعب الفلسطيني العظيم الذي يدفعها شبه منفردًا منذ عقود.
نحن ذاهبون إلى مواجهة مفتوحة، لا مفر منها ولا مجال فيها لأنصاف المواقف.
الأحداث تتسارع، والخطوط الفاصلة بين الحياد والانحياز تتلاشى، والأمة أمام اختبار تاريخي سيحدد مستقبلها لعقود قادمة.
ما يحدث اليوم ليس مجرد حرب على غزة، بل معركة لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة، وكسر الهيمنة الصهيو-أمريكية التي اعتقدت أنها قادرة على فرض إرادتها إلى الأبد.
نحن أمام معركة استنزاف طويلة، تتجاوز حدود فلسطين، وتمتد إلى ساحات أوسع،
حيث أن كل قوة مقاومة أو مهادنة في المنطقة باتت تدرك أن دورها قادم، وأن انتظار الدور ليس استراتيجية ناجحة.
برأيي، نحن ذاهبون إلى واقع جديد، لن تكون فيه «إسرائيل» القوة التي تملي شروطها، بل الكيان المعزول الذي يحاول النجاة بأي ثمن.
نحن ذاهبون إلى عالم تتغير فيه التحالفات، وتعيد فيه الشعوب حساباتها، وتفرض المقاومة فيه وجودها كحقيقة لا يمكن تجاوزها.
لكن السؤال الأهم: أين يقف كل واحد منا في هذه المعادلة؟ هل سنكون في صف الذين يصنعون التاريخ، أم سنبقى متفرجين حتى يبتلعنا الطوفان؟
🔸 محمد صبيح
باحث في الدراسات الاستراتيجية والدفاع