في خضمّ الصراع المفتوح بين إيران وإسرائيل، يبرز العالم العربي كأكبر الخاسرين، لا لأنه هدف مباشر، بل لأنه عاجز ومُغيّب عن معادلة القرار. والسبب الحقيقي لا يكمن في نقص القوة أو الموارد، بل في غياب الديمقراطية والحريات، التي تمثل أساس السيادة الفعلية وصمام الأمان لأي مشروع وطني مستقل.
فالأنظمة العربية، التي قهرت شعوبها وصادرت إرادتها، لم تعد تملك قرارها. في غياب مؤسسات منتخبة، وإعلام حر، ومجتمع مدني فعّال، تصبح السياسات الخارجية رهينة الإملاءات، وتغدو المواقف مجرد صدى لما تقرّره القوى الكبرى، أو ما يفرضه ميزان الخوف والتحالفات المؤقتة.
نتيجة هذا التغييب المُمنهج للإرادة الشعبية، لم يخسر العرب فقط وزنهم الجيوسياسي، بل خسروا أيضاً أحد أعظم القضايا التي كانت تجمعهم: الحق الفلسطيني. فقد تحوّلت فلسطين من قضية تحرّر إلى ملف تفاوضي، ثم إلى عبء دبلوماسي، قبل أن تصبح –في نظر بعض الأنظمة– عقبة أمام التطبيع والتقارب مع إسرائيل.
لقد كان من الممكن أن تظل القضية الفلسطينية مركزية، لولا أن أنظمة القمع جعلت من الدفاع عنها تهمة، ومن رفع علمها جريمة. بدل أن تُستثمر طاقات الشعوب العربية لدعم الفلسطينيين، استُنزفت في مراقبة الداخل، وتكريس حكم الفرد، وتجريم التضامن.
اليوم، تُخاض حرب بين إسرائيل وإيران، ويُستخدم اسم فلسطين في الخطاب، لكن دون فعل. الإيرانيون يوظفونها لخدمة نفوذهم، والإسرائيليون يضربون باسمها ما يرونه “تهديدًا وجوديًا”، والعرب يقفون بين متواطئ بالصمت أو مبرّر بالعجز. وفي كل هذا، تتآكل الحقوق الفلسطينية على الأرض، وتتمدد المستوطنات، بينما يُباد أهل غزة بالصمت العربي الرسمي.
النتيجة واضحة: حين تُقمع الشعوب، يُصادر القرار. وحين تُغتال الحرية، يضيع الحق. ومع كل يوم يمرّ دون إصلاح سياسي حقيقي في العالم العربي، تفقد القضية الفلسطينية سندها، وتترسخ هزيمة العرب كقدر لا يُقاوَم.
فلا مستقبل لقضية عادلة دون شعوب حرة، ولا كرامة للعرب دون ديمقراطية تُعيد إليهم صوتهم ومكانتهم.