الآن حصحص الحق. عندما شاهدتُ الدكتور سعد الهلالي في مداخلة مع عمرو أديب من المدينة المنورة مساء أمس، ظننت نفسي في رؤيا منامية؛ إذ من غير المنطقي أن الرجل الذي ملأ الآفاق جدلاً وصخبًا حول ثوابت الإسلام وحدوده، لا يعترض على الركن الخامس منه، بل يذهب إلى مكة والمدينة بنفسه؛ ليؤدي المناسك مع «العامَّة والدهماء» الذين لا يتوقف عن التحرش بهم واستفزازهم، بل ويلتقط الصور التذكارية بجلباب أبيض ناصع البياض. هنا تظهر في الخلفية أغنية ماجدة الرومي: «طلي بالأبيض»!
في الركن الأول من الإسلام وهو شهادة: لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.. زعم «الهلالي» أن دخول الإسلام لا يستلزم الشهادة بنبوة محمد، وإنما يكفي قول: «لا إله إلا الله» فقط، وحرص الأزهر الشريف يومئذ على إنكار هذا الرأي ووصفه بـ«المنحرف»!
كما قال «الهلالي» كلامًا متهافتًا عن الصلاة، من حيث عدم إقامتها على وقتها، وأجاز الجمع بين الصلوات الخمس أو بعضها، وأباح الوضوء بمناديل ورقية!
قال «الهلالي» أيضًا كلامًا ساقطًا عن صوم رمضان ومفطرات الصوم، وحرَّف آيات الصيام عن مواضعها، وكاد يفسد على الناس هذه الفريضة العظيمة. وفي شأن الزكاة.. لم يتوقف «الهلالي» عن فتح أبواب الجدل أيضًا حول مفهومها وجدواها ومغزاها وأنصبتها الشرعية. وكلامه عن آيات المواريث ليس عنكم ببعيد!
وفي كل مرة.. يُسقط المذكور الاعتبارات الفقهية الراسخة ويقول للناس: استفتوا قلوبكم، وما تقودكم قلوبكم إليه في الدين افعلوه، ولم ينقصه في هذا المقام سوى الاستشهاد بالأغنية الخالدة: «أنا قلبي دليلي، قال لي هتحبي»!
في مداخلته الأخيرة.. مارس «الهلالي» إثارة الجدل مجددًا من خلال طرح كلام لا إجماع عليه ولا اتفاق في شأن الأضاحي، حتى أن محاوره بدا -على غير عادته- مصدومًا مفزوعًا. وما قاله «الهلالي» عن الأضاحي، أورده عن كل شيء في الإسلام، حتى أن الأزاهرة أنفسهم، ممن يفوقونه علمًا ودراية ورسوخًا- تبرأوا من فتاواه وآرائه وجدلياته.
في مقابل هذا الجدل والغمز واللمز والتجريح الذي صنع «الهلالي» من خلالهم شهرته وانتشاره وذيوع اسمه وثروته وممتلكاته، لا سيما وسط التيارات الكارهة للإسلام بالسليقة- لم يقترب ولو بشق كلمة من فريضة الحج، ما يطرح سؤالاً وجيهًا ومنطقيًا وهو: ما الذي عصم الركن الخامس في الإسلام من تخرصات «الهلالي» ومهاتراته؟
لا تحتاج الإجابة عن هذا السؤال جهدًا جهيدًا ولا بعضًا من مشقة؛ فالرجل عبد المصلحة، وأينما كانت المصلحة ولي وجهه شطرها، ومصلحة «الهلالي» مع البلد الذي يحتضن مكة والمدينة.
يدين «الهلالي» بشهرته الواسعة وثروته الطائلة للفضائيات السعودية، وفي القلب منها: «إم بي سي مصر»، ولا يخفى على أحد الأجور الباهظة التي تمنحها للعاملين بها ولضيوفها الذين تتفنن في اختيارهم. على سبيل المثال فإن القناة المذكورة تنتقي دومًا النوابغ والبارزين، كلٌّ في مجاله؛ فكما تحرص مثلاً على استضافة حموبيكا فنيًا، ورضا عبد العال رياضيًا، فإنها تواظب على استضافة «الهلالي» دينيًا! وكما يحج خالد الجندي ورفاقه وأقرانه على نفقة جهات خاصة، فإن «الهلالي» لا يدفع جنيهًا واحدًا في رحلة الحج.
من أجل ذلك.. لا يستطيع «الهلالي» ولا يجرؤ على أن يمارس جدله العقيم حول الركن الخامس من الإسلام، ولا يمسه من قريب أو بعيد. لن ينتقد «الهلالي» أيَّا من شعائر الحج، فلن يلمز تقبيل الحجر الأسود، ولا ينتقد طوافًا ولا سعيًا بين الصفا والمروة، ولا رميَا للجمرات، فكما يقول «الليمبي»: «الجنيه غلب الكارنيه»، فما بالك عندما يكون الأجر دولاريًا، والدولار بخمسين جنيهًا مما تعدون؟
هنا.. لن يسكت «الهلالي» قليلاً -على طريقة أحمد مكي في مسلسل «الكبير»- بل سوف يسكت كثيرًا وطويلاً، ولن يثير الغبار، ولن يستفتي قلبه، ولن يطلب منا أن نستفتي قلوبنا إلا في حالة واحدة فقط، وهي عندما يتم الاستغناء عن خدماته بالقنوات والجامعات السعودية، وعندما لا يتم دعوته لأداء المناسك مجانًا. حينئذ سوف يكون لكل حادث حديث وفتوى ورأي!