أقلام حرة

مصطفى عبد السلام يكتب: أسعار الذهب إلى 3000 دولار للأوقية

سعر الذهب يتجه إلى تحقيق مستويات قياسية جديدة لم يصل إليها من قبل، وهناك عشرات الأسباب التي تدفع إلى مواصلة المعدن النفيس التحليق في سماء أسواق المال والمعادن العالمية، بل وبلوغ مستوى 3000 دولار للأوقية بعد أن كسر مستوى 2523 دولار اليوم الثلاثاء، وهو مستوى كان البعض يعتبره خيالياً قبل سنوات. وعلى الأرض، ارتفعت أسعار الذهب أكثر من 20% هذا العام مدفوعة بالتفاؤل بين المستثمرين. وصاحب ارتفاع الذهب زيادات في أسعار المعادن الأخرى مثل الفضة والبلاتين والبلاديوم.

التقارير الحديثة الصادرة عن كبريات المؤسسات المالية وبنوك الاستثمار الدولية الكبرى هي من تقود تلك التوقعات المثيرة المتعلقة بقفزة الذهب، والبنوك المركزية الكبرى هي من تقود الطلب الكثيف على الشراء، وكذا كبار المستثمرين حول العالم.

والأسواق والمستثمرون والمدخرون لا يزالون ينظرون للذهب على أنه الأكثر أماناً وضماناً، والأقل من حيث درجة المخاطر مقارنة بأدوات الاستثمار البديلة وفي مقدمتها العملات الرقمية والبورصات والأسهم وحتى الودائع المصرفية، وهناك طلب متزايد على الشراء من قبل أسواق ومواطني الدول التي تشهد اضطرابات في أسواق الصرف الأجنبي وتآكلاً في قيمة عملاتها الوطنية.

من بين تلك الأسباب التي تدعم استمرار قفزات سعر الذهب وبلوغه 3000 دولار للأوقية زيادة احتمالات خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي ” البنك المركزي الأميركي” في سبتمبر المقبل، وزيادة المخاطر الجيوسياسية، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط واحتمال مهاجمة إيران إسرائيل وتوسيع رقعة الحرب، بل في العديد من دول العالم ومنها أوكرانيا وتايوان.

كما أن البنوك المركزية لا تزال مصدراً رئيسياً للطلب على الذهب، حيث تتبنى دول مثل الصين وروسيا وتركيا والهند وكازاخستان، ودول عدة بأميركا اللاتينية وغيرها، سياسة تنويع احتياطياتها النقدية الأجنبية بعيداً عن الدولار، خاصة مع استخدام الولايات المتحدة عملتها في المعارك السياسية وفرض عقوبات اقتصادية على الدول المناوئة لها، كما جرى مع روسيا وتجميد ما يزيد عن 300 مليار دولار من أصولها في البنوك الغربية في أعقاب غزو أوكرانيا.

وهنالك مخاوف من نشوب حرب تجارية شرسة بين بكين وواشنطن في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو دخول واشنطن في مواجهات عسكرية مع الصين وإيران وغيرهما من مناطق التوتر حول العالم.

على مستوى التوقعات الخاصة بأسعار الذهب، فإن معظمها يميل بقوة إلى مواصلة المعدن الأصفر قفزاته في الفترة المقبلة، أحدث تلك التقارير ما صدر عن “سيتي غروب”، وهو واحد من أكبر البنوك العالمية، حيث توقع محللوه يوم الاثنين الماضي ارتفاع أسعار الذهب إلى ثلاثة آلاف دولار للأوقية بحلول منتصف العام المقبل، على أن يصل متوسط السعر إلى 2550 دولاراً في الربع الأخير من العام الجاري، علما بأن الأسعار المتوقعة من المحتمل أن يصل إليها في غضون أسابيع قليلة إذا ما هاجمت إيران إسرائيل.

القفزات المتوقعة في سعر الذهب توصل إليه أيضا كبير مديري تطوير الأعمال في بورصة المعادن الثمينة الأميركية باتريك ييب، الذي قال قبل أيام إن الذهب قد يصل إلى 3000 دولار في أقرب وقت من العام المقبل، إذا استمر عدم اليقين الجيوسياسي، أو تخفيضات أسعار الفائدة، أو حدث المزيد من الطلب على الشراء من البنوك المركزية العالمية.

وقبلها، توقع محللو بنك أوف أميركا ارتفاعاً محتملاً في أسعار الذهب ووصول سعر الأوقية إلى 3000 دولار للأونصة في غضون 12-18 شهراً القادمة، وهناك مؤسسات توقعت بلوغه هذا المستوى قبل هذا الموعد بكثير.

أما مجلة فورتشن الشهيرة فقد نقلت هي الأخرى عن عدد من محللي السلع الأولية توقعاتهم ارتفاع سعر الذهب أكثر إلى 2600 دولار بحلول منتصف العام المقبل. وهناك توقعات بوصول سعر الذهب إلى 2700 دولار للأوقية بمجرد أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل.

إذاً، معظم التوقعات تميل إلى استمرار القفزة الحالية في سعر المعدن النفيس باستثناء فترات جني الأرباح والتقاط الأنفاس. طبعاً الحذر مطلوب، فالتوقعات الخاصة بقفزة سعر الذهب قد تتغير إذا ما أجّل البنك الفيدرالي رفع سعر الفائدة، وهدأت القلاقل والمخاطر في منطقة الشرق الأوسط وانتهت حرب غزة، وحدث تحسن في مؤشرات الاقتصاد الأميركي وأفلت من مخاطر الركود، وأسفرت الانتخابات الرئاسية الأميركية عن فوز كامالا هاريس، وتوقفت البنوك المركزية عن شراء كميات ضخمة من الذهب، لكن المؤشرات الحالية على الأرض لا تشي بتحقق معظم تلك المعطيات.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى