يتحرك العالم سريعاً لتشديد الخناق على الاقتصاد الإسرائيلي في محاولة لمعاقبته على جرائمه بحق غزة وتجويع الأهالي وتعطيشهم، وتتخذ دول عدة خطوات عملية نحو تجفيف مصادر الأموال والاستثمارات الدولية التي تصل إلى إسرائيل، ويوجه جزءاً منها لتمويل آلة الحرب الجهنمية والإنفاق العسكري الضخم داخل دولة الاحتلال الذي زاد بنسبة 65% في عام 2024 ليصل إلى 46.5 مليار دولار، بسبب الحرب، ثم زاد بقيمة 42 مليار شيكل، 12.5 مليار دولار، لعامي 2025 و2026.
وفي المقابل، تسابق دول عربية الخطى لدعم الاحتلال سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتطلق مبادرات، وتؤسس صناديق استثمار عملاقة لتخفيف حدة المشاكل التي تواجه الاقتصاد الإسرائيلي وعجزه المالي واضطراب أسواقه الداخلية وأنشطته المختلفة، مع المساهمة في توفير الرفاهية للإسرائيليين، وتوفير فرص عمل، وردم الهوة التمويلية الضخمة بسبب تكاليف الحرب، وتوفير مصادر أموال وسيولة دولارية ضخمة لدولة الاحتلال، ورفد ميزانيتها المتعثرة بمليارات الدولارات.
أحدث مثال على ذلك الصفقة الضخمة التي تم ابرامها لاستيراد مصر الغاز الإسرائيلي والبالغة قيمتها 35 مليار دولار. وقبلها أبرم المغرب صفقة شراء أسلحة وأقمار اصطناعية مع الصناعات الجوية الإسرائيلية بقيمة تقارب مليار دولار، وأعلنت الإمارات قبل ثلاث سنوات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في إسرائيل. وتكشف تقارير عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي عن ارتفاع التبادل التجاري بين إسرائيل و5 دول عربية هي: الإمارات ومصر والبحرين والأردن والمغرب رغم تصاعد حرب الإبادة ضد أهالي غزة، ولا نعرف مدى دقة تلك التقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية في تل أبيب.
في المقابل يزيد عدد المؤسسات العالمية التي قررت مقاطعة إسرائيل ورفعت منسوب الخناق على الاقتصاد الإسرائيلي، وخلال الفترة الأخيرة أقدمت صناديق استثمار ومؤسسات كبرى على تصفية أنشطتها وبيع أسهمها والانسحاب من دولة الاحتلال، فأمس الثلاثاء بدأ صندوق الثروة السيادي النرويجي، الأكبر في العالم، تصفية استثماراته بالكامل في إسرائيل والتي تتجاوز قيمتها ملياري دولار، على خلفية جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق أهالي غزة.
الصندوق، البالغ حجم أصوله حول العالم تريليوني دولار، باع بالفعل حصته في 11 شركة إسرائيلية، كما قرر إنهاء جميع العقود مع شركات إدارة الأصول التي تتعامل مع استثماراته في إسرائيل، إثر تقارير كشفت استحواذه على حصة في مجموعة إسرائيلية لصناعة محركات الطائرات، تقدم خدمات لجيش الاحتلال، بما في ذلك صيانة الطائرات المقاتلة. لا تتوقف تحركات الصندوق، وهو ذراع للبنك المركزي النرويجي، عند هذا الحد، بل يتجه لتصفية أنشطته بشكل كامل داخل إسرائيل وبيع حصصه في 61 شركة إسرائيلية. وقبل أكثر من شهرين باع جميع أسهمه في شركة باز الإسرائيلية، بسبب تزويدها المستعمرات في الضفة الغربية المحتلة بالوقود.
تحرّك الصندوق السيادي النرويجي جاء بضغوط من النرويج، حكومة وبرلماناً وبنكاً مركزياً، فقبل أيام أعلنت الدولة الأوروبية، عزمها مراجعة استثماراتها بالشركات الإسرائيلية، على خلفية تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، جراء جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها تل أبيب والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال.
وطلب وزير المالية النرويجي، ينس ستولتنبرج، مراجعة استثمارات بلاده في تلك الشركات، كما طلب من البنك المركزي ومجلس الأخلاقيات مراجعة تلك الاستثمارات أيضاً. ويوم 4 يونيو الماضي عقد برلمان النرويج جلسة للتصويت على منع استثمارات الصندوق السيادي بالشركات الإسرائيلية.
سبقت الصندوق النرويجي مبادرات أخرى من صناديق وشركات عالمية، فقد باع أكبر صندوق تقاعد في القطاع الخاص في بريطانيا ما قيمته 80 مليون جنيه إسترليني من أصوله في إسرائيل، لينضم إلى صناديق التقاعد العالمية التي انسحبت من دولة الاحتلال، بعد ضغوط شديدة من الرأي العام الغربي. وفي نهاية مايو الماضي أعلنت شركة إيباي العالمية، عملاق تجارة التجزئة الإلكترونية، عن قرارها بإغلاق جميع أنشطتها في إسرائيل بحلول الربع الأول من عام 2026، وتسريح أكثر من 200 موظف يعملون هناك.
وتحت الضغط الشعبي أعلنت شركة الشحن الدنماركية العملاقة ميرسك، قبل شهر، عن إنهاء علاقاتها مع شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية، عقب تعرّضها لحملة ضغط استمرت شهوراً قادتها منظمات تضامن مع فلسطين، وعلى رأسها حركة الشباب الفلسطيني (بي واي إم)، وتصاعد الضغوط الدولية على الشركات المتورطة في دعم الاحتلال، ومنها حظر إسبانيا رسو سفن ميرسك التي تنقل معدات عسكرية لإسرائيل في موانئها. وباعت شركة التأمين الفرنسية الكبرى “أكسا” استثماراتها في جميع البنوك الإسرائيلية الكبرى، وفي شركة إلبيت المتخصصة في التصنيع العسكري.