مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: حرب غزة وإعادة سلاح المقاطعة إلى الواجهة

أعادت حرب غزة سلاح المقاطعة إلى الواجهة ليصبح أحد أبرز الأسلحة في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي شنتها قوات الاحتلال على أهالي القطاع. قبيل انطلاق تلك الحرب في أكتوبر 2023،

كادت حملات مقاطعة المنتجات والسلع الإسرائيلية أن تختفي وتتلاشى، وتصبح أثراً من الماضي، فلا متحمسين لها ولا داعين إلى تنشيطها.

كانت كلمة المقاطعة تثير سخرية البعض من أبناء جلدتنا والمتصهينين العرب،

وتستعد لدخول متحف التاريخ وفق ما كان يروج الإعلام المؤيد لكل أشكال التطبيع الاقتصادي والسياسي بين الدول العربية وإسرائيل.

كانت صفقات بمليارات الدولارات تجرى بين حكومة الاحتلال وبعض حكومات دول المنطقة وتتم في العلن وبمباركة من حكومات غربية،

ضاربة تلك الصفقات المليارية بقرارات الجامعة العربية المتعلقة بمقاطعة إسرائيل عرض الحائط.

حركة مقاطعة إسرائيل

خارجياً وقبل حرب غزة، كان حركة مقاطعة إسرائيل BDS تحارب من قبل الحكومات الغربية التي شرعت القوانين المشددة لملاحقة الداعين لمقاطعة إسرائيل ومعاقبة المنضمين إليها.

كانت الحكومة الأميركية وغيرها من الحكومات الأوروبية هي من تقود تلك الحرب الشرسة على تلك الحركة

التي دعت حركات التضامن العالمية وأحرار العالم في كلّ مكان إلى تكثيف مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها،

وفرض العقوبات عليها بسبب سياسة الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها بحق الفلسطينيين.

شعبياً، كانت معظم الشعوب العربية لا يشغلها كثيراً ملف مقاطعة المنتجات والسلع الإسرائيلية لأسباب عدة،

فحكوماتها تحاول فرض الأمر الواقع على الشارع عبر تسريع الخطى للتطبيع الاقتصادي والسياسي مع الكيان،

وإبرام عقود استثمار واتفاقات اقتصادية واستيراد الغاز الإسرائيلي في صفقات اقتربت قيمتها من 25 مليار دولار.

كانت تلك الحكومات تغض الطرف عن المحاولات الخبيثة الهادفة إلى إغراق الأسواق بالبضائع والمنتجات الإسرائيلية،

بل وتشجع بعض المستوردين ورموز القطاع الخاص على التعامل مع الشركات والموردين الإسرائيليين.

كما أن غرق الشعوب العربية في أزمات معيشية طاحنة أشغله عن الاهتمام بملف المقاطعة.

قبل 7 أكتوبر 2023

كانت الصورة سوداودية حتى يوم 7 أكتوبر 2023، حيث أيقنت الشعوب العربية أن التطبيع مع الكيان أصبح حقيقة في ظل صفقات رسمية ضخمة معت تل أبيب،

وضغوط حكومية شديدة، وحملات إعلامية غير مسبوقة، وفرض الحكومات سياسة الأمر الواقع

وهو أنه من الطبيعي أن تتقبل الأسر في مصر وسورية والأردن والخليج ودول المغرب وتونس وغيرها وجود سلع إسرائيلية داخل البيوت،

وأن تأكل مما تنتجه مزارع داخل مستوطنات تمت إقامتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأنه عادي أن يقوم السودان، أكبر منتج للأغذية في المنطقة، باستيراد القمح من إسرائيل، وأن يبرم المغرب صفقة بمليار دولار مع إسرائيل،

وأَن تزود شركة “صناعات الفضاء الإسرائيلية” (IAI) المملكة بقمر اصطناعي استخباري،

في ظل تعميق إسرائيل تعاونها الأمني مع الرباط، وأن تتوسع مصر في صفقات استيراد الغاز من إسرائيل مع زيادة قيمة الصفقة إلى أكثر من 21 مليار دولار،

وَأن يتكرر الأمر مع الأردن، وأن تتحدث السلطة الفلسطينية عن صفقات لاستيراد الطاقة من دولة الاحتلال،

وأنّ تبرم الإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع إسرائيل يعقبها اتفاق على تأسيس صندوق استثماري إماراتي بقيمة عشرة مليارات دولار يوجه أمواله داخل الكيان،

وأن تدخل البحرين في اتفاقات تجارية وسياحية مع تل أبيب.

لكن عقب اندلاع حرب غزة، تبدلت المعادلة شعبياً وإلى حد ما رسمياً، فقد انطلقت حملات شعبية واسعة للمقاطعة على مستوى العالم،

بل توسعت تلك الحملات داخل الدول العربية وبلا استثناء لتشمل مقاطعة سلع ومنتجات شركات وعلامات الدول الداعمة حربَ الإبادة الجماعية على غزة.

نتائج حملات باهرة

وقد رأينا جميعاً كيف حققت تلك الحملات نتائج باهرة، لدرجة دفعت عملاق التكنولوجيا العالمي،

شركة إنتل الأميركية، إلى إلغاء قرار ضخ استثمارات بقيمة 25 مليار دولار في مشروع ضخم كانت تعتزم إقامته داخل دول الاحتلال،

بل ووقف التوسعات في المشروعات القائمة، وأن تعلن صناديق سيادية عالمية كبرى مثل الصندوق النرويجي، أكبر صندوق في العالم، سحب استثماراته من إسرائيل واقتصادها،

وأن تعلن شركات وبنوك عالمية كبرى عن تصفية فروعها وأنشطتها وبيع مساهماتها داخل الأسواق الإسرائيلية.

وجدنا أيضاً خسائر فادحة تلحق بكبار الداعمين حربَ الإبادة على أهالي قطاع غزة،

فالمقاطعة ترغم كارفور الفرنسية على الانسحاب من الأردن وسلطنة عمان وتقليص نشاطها في معظم الدول العربية،

كنتاكي تنسحب من بعض الدول الإسلامية ومنها ماليزيا وتقلص نشاطها في معظم الدول العربية، ستاربكس تتعرض لضربات وخسائر موجعة.

تكرر الأمر مع ماكدونالدز وهارديز وبيتزاهت وشركات المشروبات الغازية الشهيرة مثل كولا وبيبسي وغيرها.

حرب غزة فرضت واقعاً جديداً يتعلق بإعادة سلاح المقاطعة إلى الواجهة مرة أخرى،

ليس فقط مقاطعة منتجات وسلع دولة الاحتلال التي تم سد الطريق أمامها منذ أكتوبر 2023،

بل ومنتجات وفروع الشركات العالمية الداعمة، ولا أتوقع تراجع بريق هذا السلاح القوي والفعال حتى مع توقف الحرب في غزة،

لأن العالم كله أدرك كيف أن إسرائيل ظهرت بوجهها الحقيقي والقبيح،

وهو أنها بلد منبوذ وعنصري طارد للسكان والاستثمارات، تقوده حفنة من المتطرفين ومغول العصر.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights