مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: صفقة «رأس الحكمة».. مخاوف مشروعة

عقب كشف الحكومة عن صفقة «رأس الحكمة» المثيرة للجدل وإعلان الاتفاق مع الإمارات على ضخ 35 مليار دولار مقابل الفوز بمشروع عملاق يقام في الساحل الشمالي على مساحة 170.8 مليون متر مربع تقريبا، أي ما يزيد عن 40 ألف فدان، بتنا أمام رأيين متناقضين وحادين وربما بالغي الحدة، ولا يسمع أحدهما للأخر.

الرأي الأول قاد واحدة من أكبر «الزفات الجماعية» في تاريخ الترويج والمبالغة داخل مصر في السنوات الأخيرة، حيث يرى أن الصفقة ستحل الأزمة الاقتصادية الحادة والمعقدة التي تمر بها البلاد، وأنها ستغرق مصر في تلال من النقد الأجنبي حيث ستجذب استثمارات بقيمة 150 مليار دولار إضافة إلى قيمة الصفقة، وأنها ستضيف 8 ملايين سائح لعدد زوار مصر الحاليين.

وأنها ستقضي على السوق السوداء للعملة، وستهز عرش الدولار، وتوفر ملايين من فرص العمل للعاطلين، وتساعد الدولة في سداد أعباء الديون المستحقة هذا العام والبالغة 42.3 مليار دولار، كما أنها ستجذب مستثمرين دوليين لإقامة مشروعات مماثلة سواء على سواحل البحر المتوسط أو الأحمر.

ببساطة، يرى هذا الفريق أن الصفقة هي الحل السحري لكل أزمات مصر الاقتصادية، بما فيها تحديات الدين الخارجي وغلاء الأسعار واضطرابات سوق الصرف وعجز الموازنة العامة والفجوة التمويلية والبطالة والفقر والعشوائيات وغيرها.

في المقابل ينظر الطرف الثاني للصفقة بعين الريبة والشك، بل والسوداوية أحيانا، ويؤكد أنها تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، ويصفها بأنها مريبة وغامضة ومحيرة في نفس التوقيت، إذ لم يسبقها أي مقدمات أو حديث عن وجود مفاوضات من الأصل خاصة وأننا نتحدث عن صفقة ضخمة بين الحكومتين المصرية والإماراتية وليست بين القطاع الخاص.

كما أن الصفقة تماثل ما حدث مع مصر في حرب الخليج الأولى عندما حصلت على دعم مالي إقليمي ودولي قوى وودائع خليجية وإسقاط نصف الدين الخارجي مقابل المشاركة في حرب تحرير الكويت.

ووفق هذا الفريق أيضا، فإن الصفقة لن تضيف شيئا للاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمات غير مسبوقة، وأنها تأتي في إطار استكمال لبيع مصر وأصولها، وأنها تثير عشرات من علامات الاستفهام، خاصة وأنها تأتي في وقت حرج على مستوى حرب غزة وأزمة الاقتصاد المصري.

وهذا الرأي أعاد للذاكرة المبالغات الشديدة التي صاحبت الحديث عن مشروعات كبرى تم الإعلان عنها من قبل الدولة في سنوات سابقة مثل مشروع إقامة مليون وحدة سكنية بالتعاون مع شركة «أرابتيك» الإماراتية والذي لم ير النور ولم تُقم وحدة واحدة منذ الإعلان عنه في عام 2014.

وكذا مشروع تطوير وتوسعة قناة السويس الذي قيل إنه سيدر 100 مليار دولار سنويا لخزانة الدولة، وهناك مشروعات لم ترى النور أصلا رغم الصخب الإعلامي الواسع الذي صاحب الإعلان عن تدشينها.

بل ذهب هذا الفريق إلى أن الصفقة تأتي لصالح أطراف خارجية أخرى، وهم يشيرون إلى الطرف الإسرائيلي تحديدا والذي قيل إنه يسعى للسيطرة على أصول مصر وأنشطتها الاقتصادية عبر طرف ثالث.

ويطرح أصحاب هذا الرأي سؤالا منطقيا يحتاج لإجابة مقنعة: إذا كان تنفيذ مشروع رأس الحكمة سيبدأ بداية عام 2025، فما السر وراء تحويل أموال الصفقة بهذه السرعة وبواقع 15 مليار دولار خلال أسبوع، و20 مليار دولار بعد مرور شهرين، ما المقابل؟

وفي تقديري أن الرأيين، المتحمس بشدة للصفقة والمعارض لها بشدة أيضا، مبالغان في وجهة نظرهما وردود فعلهما، وأنه يجب التعامل بواقعية مع تلك الصفقة التي ستفيد ولا شك الاقتصاد المصري على المدى القريب وتخفف الضغوط الشديدة عن احتياطي البنك المركزي الذي عبارة عن ودائع خليجية مستحقة على الدولة.

صحيح أن الصفقة تعد الأضخم في تاريخ الاستثمار في مصر، وهو أمر لا يمكن انكاره، وصحيح أيضا أنها خصمت 11 مليار دولار من أرصدة الدين الخارجي وخففت الضغوط المتعلقة بأعباء مستحقات ديون هذا العام، وأنها أثرت إيجابيا على سعر الدولار ودفعته لحاجز الـ 50 جنيها وربما أقل، وأوقفت تهاوي الجنيه، واعطت الحكومة فرصة لالتقاط الأنفاس ولو مؤقتا.

لكن في المقابل يجب التعامل بواقعية وموضوعية مع تلك الصفقة وبلا مبالغة في اطارها الزماني والسياسي، وعدم التعامل معها على أنها صفقة استثمارية ومالية، بل هي صفقة سياسية بالدرجة الأولى.

ولا يمكن فصل ترتيباتها عن الأحداث الجسام والترتيبات التي تمر بها المنطقة وفي مقدمتها الحرب الإجرامية على غزة والتي يقودها محتل مجرم، وإغلاق معبر رفح المتواصل في وجه المساعدات الإنسانية.

وإذا نحينا الرأيين السابقين جانبا فإن هناك عشرات الأسئلة المشروعة التي لا تزال تحتاج إجابة إذا كان هناك حرص من قبل صانع القرار على الشفافية وتهدئة مخاوف المصريين وشكوكهم.

من بين تلك الأسئلة:

1- أين بنود عقد الاتفاق، لماذا لا يتم إطلاع المصريين عليها، خاصة ونحن نتحدث عن بيع أصول مملوكة للمصريين، أم أنها ستشبه اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير التي لا نعرف عنها شيئا حتى الآن، وأين البرلمان أصلا من صفقات بيع أصول مصر، هل سيظل صامتا كما جرى مع صفقات أخرى سابقة؟

 

2- في ظل التقارب الشديد بين الإمارات وإسرائيل على كل المستويات والشراكة الاستثمارية والاقتصادية والتجارية الضخمة التي تم الإعلان عنها من قبل الدولتين، ما ضمانات عدم انتقال ملكية مشروع رأس الحكمة وغيره من أصول مصر المباعة لأطراف أخرى في وقت لاحق، ومن المستفيد الأول من تلك الصفقة، ولماذا إبرام مثل هذه الصفقة في هذا التوقيت.

وإذا كانت صفقة سياسية بالدرجة الأولى، فما هو المقابل الذي تم دفعه مقابل هذا الثمن الكبير والعاجل، هل صحيح أنه يتعلق بإغلاق معبر رفح وخنق الفلسطينيين، هذا سؤال مشروع ينتظر إجابة.

3- هل بيع الأصول والحصول على مزيد من القروض الخارجية بات هو الحل الأسرع وشبه الوحيد لاحتواء كل أزمة اقتصادية تعاني منها مصر، ألا توجد حلول أخرى لدى صناع القرار غير البيع والتنازل عن مزيد من الأراضي والبنوك والشركات؟، لماذا لا يتم الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية والصناعية والتركيز فقط على القطاعات الريعية ومنها العقارات؟

4- ما الأسس المحاسبية التي تم على أساسها تقييم أرض المشروع، وأين ستذهب حصيلة البيع، للموازنة العامة للدولة، أم للاحتياطي لدى البنك المركزي، أم لجهات أخرى تم نقل هذه الأراضي إليها قبل سنوات عقب انتزاعها من أصحابها الأصليين والمنتفعين لها.

5- وهناك بالطبع عشرات الأسئلة الأخرى التي طرحها آخرون، هل الصفقة بيع أصول أم استثمار مباشر، حق انتفاع أم تنازل، صفقة عقارية أم مشروع سياحي وتنموي، أم ماذا؟

6- السؤال الأهم هنا: لماذا يتشكك قطاع من المصريين في صفقة بحجم رأس الحكمة، هل الأمر يتعلق بالمشتري الذي سيطر على أصول مصرية ضخمة في السنوات الأخيرة ومنها 5 بنوك، إضافة الى قطاعات حيوية كالمستشفيات ومعامل التحاليل وشركات الاتصالات وغيرها، أم أن الأمر يتعلق بموقف أبو ظبي الإقليمي والمناوئ والواضح للموقف المصري في ملفات عدة منها السودان وإثيوبيا والصومال وسرعة التطبيع وغيرها؟ أم أن هناك خلفيات أخرى؟

في صفقة رأس الحكمة نحن أمام مخاوف مشروعة وأسئلة منطقية، وعلى السلطات الإجابة عنها.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى