مصطفى عبد السلام يكتب: عن حلم الثراء السريع وشركات النصب والاحتيال
لا يمر يوم إلّا وأتلقى اتصالاً تلفونياً أو أكثر من أشخاص يقولون إنهم يعملون لدى شركات سمسرة وإدارة أموال ومحافظ مالية وصناديق استثمار عربية وعالمية لها فروع في مناطق الخليج ولندن ونيويورك وغيرها من عواصم أسواق المال.
هؤلاء الأشخاص يدعونني للاستثمار في البورصات والأسهم والسندات والذهب والمعادن والعملات الرقمية والأصول الافتراضية وغيرها من أدوات الاستثمار الحديثة، ويؤكدون جميعاً أنّ أرباحهم مضمونة، وأنهم يعملون طبقاً لمعايير أسواق المال العالمية والقوانين المطبقة في المنطقة العربية.
بل يزعم بعض المتصلين أن شركاتهم مملوكة للبنوك المركزية والجهات الرقابية وهيئات أسواق المال والبورصات العربية، خاصة الخليجية، وأن كبار المساهمين بها هم شخصيات عربية من كبار الأثرياء والمسؤولين.
والملاحظ في الاتصالات المتلاحقة أنّ المتصلين لا يعرفون خلفيتي الصحفية، وأنني دارس للعلوم المالية والمصرفية لمدة تزيد عن 30 سنة، وأفهم جيداً في قواعد الاستثمار وإدارة الأموال وتحديد الفرص المتاحة، وأن المتصل جاء “ليبيع الماء في حارة السقايين”.
في البداية كان ردي على تلك الاتصالات القادمة من عواصم شتى هي الاعتذار السريع عن الاستجابة لرغباتهم في الاستثمار لدى شركاتهم.
هنا يأتي السؤال السريع :
لماذا الاعتذار مع الأرباح الضخمة المتوقعة، هل أحد يكره المال والعوائد السريعة؟
وهنا أجد نفسي أمام استجواب مطول وعشرات الأسئلة وربما الانتقادات المبطنة بسبب ما يظنونه بضعف الوعي الاستثماري والمالي لدي، وعدم الدراية بفنون إدارة الأموال وعالم الثراء وتوظيف الأموال، وأنّ عليّ فرض الإجابة عن جميع تلك الأسئلة المستفزة.
وحتى أرتاح من عناء الأسئلة، وحرصاً على جبر خاطر الشخص المتصل كنت أحاول أن أكون ظريفاً ولطيفا مع الجميع، ولذا كانت معظم إجاباتي عن الأسئلة “منطقية” وبسيطة ومريحة من وجهة نظري.
مثلاً، أؤكد للشخص المتصل أنني لا أمتلك أي سيولة نقدية فائضة، أو أن استثماري الأول منصب على تعليم أولادي، لأنني من المؤمنين أنّ الاستثمار في الأولاد هو أفضل أنواع الاستثمار على الإطلاق.
أو أبلغ المتصل أنني مررت بتجربة سيئة في مجال الاستثمار في البورصة قبل نحو ربع قرن حيث كنت أستثمر في صناديق استثمار وأسهم شركات، وتعرضت لخسائر فادحة، وبالتالي لن أكرر التجربة.
أو القول إنني شخص غير مغامر، ولذا أميل إلى الاستثمارات التقليدية قليلة المخاطر مثل الودائع المصرفية والذهب والعقارات، وإنني أبتعد عن أدوات الاستثمار عالية المخاطر مثل البورصات والعملات المشفرة والمضاربة في العملات والمعادن وغيرها.
كنت أظن أنه بتلك الإجابات، المنطقية من ناحيتي، سيقتنع المتصلون بوجهة نظري ولا يعاودون الاتصال، أو على الأقل يحترم هؤلاء صراحتي ورأيي ويتم إغلاق باب الأسئلة.
لكن للأسف يبدأ مشوار النصب والاحتيال المصاحب بفهلوة واستعباط وربما ابتزاز وسخافة، والذي يبدأ بإلقاء محاضرة تلفونية طويلة على مسامعي من اتصال آتٍ من لندن أو باريس أو دبي والكويت عن أهمية الاستثمار في البورصات والعملات المشفرة، وضرورة تكوين محافظ مالية، وأهمية تكوين ثروة تفيدني عند التقاعد، وأنّ المغامرات هي ما يصنع الأموال.
ويزيد الاستفزاز عندما يصل هؤلاء إلى مرحلة تقديم الوعود البراقة، وهي أن الربح أو العائد على الأموال المستثمرة مضمون، وقد يصل إلى 40% في الأسبوع، وأن الأرباح المحققة ستكون في حسابك خلال 24 ساعة، وأن المخاطر صفر، وأن الخسائر غير موجودة في قاموس وتاريخ الشركة، وأنه يمكن أن تكون بداية الاستثمار بمبلغ صغير.
أو أن عليّ المسارعة إلى تحويل المبلغ المطلوب للاستثمار لدى الشركة حتى لا تضيع الفرصة التي ينتهي موعدها الليلة، أو خلال 24 ساعة، أو أن تلك الفرصة متاحة خلال ساعة فقط من زمن الاتصال، وأنّ عليّ تزويدهم بتفاصيل حسابي البنكي حتى يتم إضافة العوائد السريع له، أو بيانات بطاقات الائتمان التي بحوزتي.
وهنا أنفجر في المتصل قائلاً: ” قلت لك، ليس لديّ سيولة، ألا تفهم، رجاء عدم الاتصال بي مرة أخرى، لا تضيعوا وقتي”.
وهنا أيضاً، يأتي العرض المغري من مندوب الشركة الوهمية وهو “حول لنا وبسرعة ألف دولار، ونحن من جانبنا سنضيف ألف دولار لها، وهذا يعني أنّ استثماراتك ستبدأ بألفي دولار، والعائد كله لك وسيضاف لحسابك خلال 24 ساعة”.
أو يمكنك في البداية شراء وحدة من عملة بيتكوين، حول لنا القيمة بسرعة قبل زيادة السعر، أو افتح محفظة خاصة بمبلغ 100 دولار فقط، على أن يقدم إلي المدير أفضل الفرص المتوافرة للتداول مع تقديم كل الضمانات، من تراخيص عمل الشركة والمحفظة.
هنا لا أملك سوى الصراخ في وجه المتصل: “أغلق الهاتف يا نصاب، يا محتال”… بعدها بتّ لا أردّ على أيّ رقم لا أعرفه، بل نشطت خاصية الـ “بلوك” على الفور لأرقام التليفونات التي لا أعرف مصدرها مع تكرار الاتصالات بشكل يومي.
ويبدو أن تلك الخاصية خلقت خصيصاً لشركات التداول الوهمية التي تمارس سياسة وعمليات النصب والاحتيال والجرائم الإلكترونية على خلق الله، مستغلة سعي البعض إلى الثراء السريع.