إن الفتوى الأخيرة الصادرة عن الشيخ العالم الجليل الغرياني لا تعبر عن توجه جديد، بل هي قناعته المبنية على تصور قاصر ومعلومات غير عميقة وانعدام تجربة معاينة للمشروع الإيراني، وهي حالة عموم أهل المغرب العربي المنتمي والحبيب.
وللشهادة فإن عموم شعوب الدول المغاربية يتميزون بعاطفة متقدة تفور كالبركان تجاه الأقصى وفلسطين، لكنها عاطفة مترافقة مع فقر تجربتهم التاريخية والمعاصرة مع الطوائف الشيعية، الأمر الذي يفسر التوجهات والفتاوي والآراء السياسية الخاطئة عند عموم علماء المغرب -وفيهم سلفيون- تجاه المسألة الإيرانية في بعديها السياسي التوسعي المحتل لبلاد المسلمين، أو العقدي الشيعي المستهدف لإخراج الشعوب المسلمة من شرعة الإسلام وسنة النبي العدنان الى دين خرافي يضع الولي الفقيه والأئمة في مكان الرب المحرك للأكوان.
ومع تقدم المحارق الإسرائيلية في غزة أرسلت رسالة طويلة مفصلة للشيخ الغرياني على إثر فتواه الأولى، وكتبت لأجله مقالي المنشور تحت عنوان:
لا يفتى ومالك في المدينة ولا يفتى في المسألة الإيرانية وعلماء الشام والعراق أحياء على وجه البسيطة.
وأعتقد أن فتوى الشيخ الغرياني لا تحتاج إلى نقاش كبير، فتوضيح الواضحات من المعضلات، وبعد الاحتلال الإيراني لأربع عواصم دول عربية، وقتل 5 ملايين من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين بأشكال طائفية بشعة، وتهجير 25 مليونا منهم، ومن قبلها تفكيك العراق وحرق جيشه وإعدام رئيسه بيوم العيد، والتصريحات المعلنة بين رؤساء إيران و أمريكا ووزراء دفاعهم حول التعاون العسكري والأمني المشترك الذي نجح في إتلاف العراق وأفغانستان واخراجهما عن دائرة الفعل المؤثر في الواقع.. بعد كل هذا هل يشك من عنده ذرة عقل بأن المشروع الإيراني مشروع معادي للأمة ودينها، وأنه يمتطي القضية الفلسطينية وحركاتها لتكون حطبا يمد في عمره وينظف أوساخه ويوسع نفوذه، الذي يمكنه من نشر الفساد في الأرض واقتلاع المسلمين والتمكين لأشكال ومعتقدات الكفر؟
إن أي مخبول -وليس عاقل- يدرك بأن تفكيك العراق وهدم بناه العسكرية وتفكيك جيشه وحرق صروحه العلمية، كان لمصلحة علو الصهيونية الأمريكية في المنطقة، وهو ما أسهم في ابتلاع فلسطين وجز عشبها وقتل مجاهديها بأريحية! وهو أعظم انجازات إيران لصالح المشروع الصليبي الأمريكي والصهيوني الإسرائيلي.
أو بعد هذا كله علاوة على ما حدث في اليمن والشام والاعدامات المتواصلة للعراقيين دون توقف حتى اليوم بأمر من إيران، وبعد انتظار رد إيران سنتين على محارق الطوفان، والتي أهلكت فيها الصواريخ الأمريكية مجموع القوة الحقيقية للقسام، وأتلفت شعب فلسطين وقتلت مجموع أهل غزة، ثم يأتي من يقول أن إيران دولة مسلمة ومشروع في صالح الأمة، ويجب علينا أن نسانده!
لا يقول هذا الا أعمى البصيرة أو صاحب منفعة رخيصة، أو من هو جاهل في تلك المسألة وتنقصه المعلومة، فلا يصح أن يؤخذ منه فتوى في تلك النازلة لامتناع شروط أهليته لفتوى المسألة بنقصان أحد شروطها.
إضلال الأمة في رقبة حركة حماس ومخ حركة الجهاد!
منذ ما يقارب ربع قرن لم أدع مناسبة لإسداء النصح لإخواني تجاه توصيف وفهم كنه ومضمون المشروع الإيراني -بالشكل الذي يوجب بناء موقف سياسي يصحح المسار- إلا وقدمتها سرا وعلانية مع القادة الكبار والمتوسطين والصغار.
ويشهد الله أنني أخبرت إخواني -رحم الله الشهداء منهم وحفظ الأحياء- بأن موقفكم في الحلف السياسي مع إيران الطائفية وملاليها القتلة، سيشق عصا الأمة ويضل شعوبها، ويهرق طاقاتها خارج الصراط المؤدي للنصر والتمكين.
إن الصراع على أرض فلسطين صراع حق وباطل وليس صراع تيوس ووحوش!
فما هي عناوين وعلامات الحق وما هي علامات وعناوين الباطل في المسألة الإيرانية في سياق النازلة الفلسطينية؟
عجل السامري من يصنعه في فلسطين ومن يفككه في وعي الموحدين؟
تكاد إيران اليوم تحتل -بين المسلمين- صورة العجل الذي صنعه السامري وأضل به بني إسرائيل!
إن الفتنة في السياسة والعقيدة والدين التي وقعت في أمة المسلمين اليوم، هي ليست بسبب ترويج أمريكي أو إسرائيلي أو حتى عمل مقصود من قبل الأنظمة العربية الطاغوتية تجاه إيران، بل هي نتاج قصور وحماقة بعض الإسلاميين وخلل في اجتهاداتهم وسوء نوايا بعضهم!
والسؤال يقول:
1/هل المسلم الموحد يتعبد الله في جهاده، أم هو عبد تصوراته وأهوائه؟
2/هل المجاهد الذي يسعى لتحرير أرضه، ملزم بالسعي لإقامة دين الله انطلاقا من وجوبه؟
3/هل الترويج لإيران وتوسع نفوذها وقوة ملاليها وتعدد وانتشار أذرعها، يسهم في تعزيز دين الله أم يضعفه؟
4/وهل من يضطر لأكل لحم الخنزير يجوز له أن يغير وصفه ورسمه؟
فاتقوا الله يا أولي الألباب فسوف تسألون يوم تأتونه سبحانه فردا فردا
مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 23/6/2025