منذر زعرب يكتب: مجموعة البريكس والنظام العالمي الجديد !!
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي انتهى عهد القطبين وأصبح العالم قطبا واحدا بقيادة أمريكا مما سهّل عليها قيادة العالم وبدأ الحديث مع بداية الألفية الجديدة والقرن الجديد عن القرن الأمريكي القادم ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان.
بدأ الصراع بين الأمريكان والمجاهدين الأفغان العرب من جهة أخرى وصولا إلى الضربة التي قلبت القرن الأمريكي لعكس المأمول في قمة وقت اعتزاز أمريكا بقرنها الموعود فتحول القرن لكوابيس ومشاكل لا تنتهي ولن تنتهي فيما يبدو إلا بانكفاء دورها عن قيادة العالم.
لقد انشغلت أمريكا بعد أحداث سبتمبر بمشروع الحرب على الإرهاب لدرجة جعلها تنشغل عن كل مشاكل العالم وتغض الطرف عن كل التكتلات الأخرى إلا الإرهاب حسب ما يقولون.
لقد سمح هذا الانشغال الأمريكي بالحرب على الإرهاب لعدة مشاريع بالتقاط أنفاسها وترتيب أوراقها ومنها المشروع الصيني والروسي والإيراني والتركي والعديد من الدول الأخرى والتي لو لم تنشغل أمريكا عنهم بكل طاقاتها لمحاربة غيرهم لكان عرقلتهم وتدمير مشاريعهم أمرا سهلا على أمريكا وهو ما كانت فعلته حقا اتجاه كثير منهم قبل انشغالها بمشروعها الضخم “الحرب على الإرهاب”وهذا باعتراف كبار قادة هذه الدول.
بعدما ظنت أمريكا أنها استطاعت احتواء الجهاد في العراق وأفغانستان في عام ٢٠٠٨م انتبهت للتنين الصيني الذي بدا أنه خرج من عنق الزجاجة ووصل لمرحلة لم تعد أمريكا تستطيع كبح جماحه كما في السابق فأثارت قضية التبت وقضية الإيغور وغيرها من القضايا سواء لاحتواء الصين أو حرب جورجيا عام ٢٠٠٨م أو ضد بعض الدول الأخرى خاصة بعدما ارتفع صراخ ساسة واشنطن نحو الأخطار الجديدة المحدقة فبدأت إستراتيجية جديدة لاحتواء الدول التي تحاول أن تخرج عن الهيمنة الأمريكية كل حسب حجم ابتعاده.
أثناء هذه المرحلة كان لزاما على بعض الدول مواجهة التغول الأمريكي فبدأت فكرة مجموعة البريك عام ٢٠٠٩م وذلك قبل انضمام جنوب أفريقيا لتصبح بعد ذلك باسم مجموعة البريكس.
ثم ما لبث العالم أن انفجر مرة ثانية ولكن هذه المرة بالثورات العربية وهي المنطقة التي تعتبر درة التاج الأمريكي ومركز سيطرته في الشرق الأوسط ثم العالم وهو ما استدعى إعادة التركيز عليها لاحتوائها بشتى السبل فجاءت الثورات المضادة ثم الثورة الأوكرانية ضد روسيا والدعم الغربي والتضييق المالي على الصين مما استدعى إعادة تفعيل أدوات جديدة داخل مجموعة البريكس فتم تأسيس بنك التنمية الجديد برأس مال يزيد على ١٠٠ مليار دولار للحد من السيطرة الأمريكية على المنظومة المالية العالمية لكن ذلك لم يحقق كبير فائدة.
بعد نصف العقد الثاني من القرن الحالي كانت المنظومة الدولية قد أوشكت أن تحكم قبضتها على المنطقة العربية برعايتها للثورات المضادة التي أخذت أشكالا متعددة فالجيش بانقلاب السيسي في مصر وحفتر في ليبيا وداعش في العراق وسوريا والحوثي في اليمن وتسليم النهضة للثورة في تونس للدولة العميقة، لكن فشل الانقلاب في تركيا قلب جميع الموازين وأفشل خطة إحكام القبضة على المنطقة لإعادتها لخمسينيات القرن الماضي، وهذا أتاح استمرار حالة الثورة في المنطقة ولكن بوتيرة أضعف قبل أن تتدخل تركيا لإنقاذ آخر معاقل الثورات الليبية والسورية.
ثم جاءت الترتيبات الأمريكية والغربية في أوكرانيا مما استفز روسيا وأجبرها على التدخل العسكري وهنا احتد الصدام الدولي بشكل غير مسبوق منذ عقود وبدأت خطوات العقوبات ضد روسيا وبعض الدول الأخرى صاحبه أيضا استفزاز الصين بقضية تايوان وفوكوشيما والفلبين مما استدعى ردا من هذه الدول خاصة على جدول اجتماعات مجموعة البريكس لتتطور أدوات المواجهة حسب التصعيد الأمريكي الذي لا يقبل بشريك أبدا في القيادة وهو ما سنرى نتائجه في وقت ليس بالبعيد.
منذر زعرب- اسطنبول