الأثنين أكتوبر 7, 2024
مقالات

ثورةُ فلسطينُ الكُبرى.. أو(الثورةُ العظيمةُ)

عامر شماخ يكتب: ثوراتُ الفلسطينيين [1/ 2]

مشاركة:

كثيرًا ما يُتهم الفلسطينيون –على غير الحقيقة- بأنهم لم ينتفضوا فى وجه المحتلّ، وأنهم باعوا أرضَهم لليهود، واتهاماتٌ أخرى مزيّفة تهيل التراب على جهاد لم ينقطع ونضال وطنى عظيم ممتد من البحر إلى النهر، وعلى مدى مقالين نتوقف عند ثورتين من ثوراتهم ينضمان إلى «طوفان الأقصى» باعتبارهما من الثورات الكبرى ضد الصهاينة، وهما ثورة عام 1936، وثورة الحجارة عام 1987.

•••

كانت ثورة فلسطين الكبرى، أو(الثورة العظيمة) هى المواجهة الأشرس بين الشعب الفلسطينى من جهة وقوات الانتداب البريطانى وعصابات اليهود من جهة ثانية، وهى امتدادٌ لانتفاضات عدة سبقتها أشهرها: ثورة (موسم النبى موسى،1920) و(ثورة البراق، 1929) وثورة (عز الدين القسّام، 1935) والتى قمعها الإنجليز وقضوا على قياداتها.

أطلقَ شرارةَ الثورةِ فى الخامس عشر من أبريل عام 1936 مجموعةٌ قسّاميةٌ مُسلَّحة بقيادة الشيخ فرحان السعدى (75 عامًا)؛ حيث قتلوا اثنين من الصهاينة فى (طولكرم) فردّ اليهود بقتل اثنين من العرب.. فتفجّرت الأوضاع وعمّت المظاهرات والاحتجاجات المدن والبلدات، وواجه الثوار القوات الإنجليزية، فألقوا القنابل على الدوريات والمنشآت، وعطّلوا المعابر والطرق، وفجّروا أنابيب البترول، وقطعوا خطوط السكك الحديدية لمنع وصول الإمدادات.. فأعلنت بريطانيا حالة الطوارئ فى كل فلسطين.

وفى ظل سيطرة اليهود على الاقتصاد الفلسطينى، وإرهاب المحتلّ للمواطنين مضافًا إليه عنف الصهاينة.. بقيت الثورة مشتعلة حتى صيف 1939 وقعت خلالها العديد من الأحداث والمعارك التى كشفت عن صمود وأصالة الشعب الفلسطينى، وقدرته على إشعال واستمرار المقاومة، وإصراره على المطالبة بحقوقه مهما كانت التضحيات.. فقد استُشهد خلالها أكثر من (5000) فلسطينى، شُنق منهم مائة، وأصيب نحو (20000) ألفًا، واحتُجز ما يزيد على (13000) مواطن.

تلخصت مطالب الثوار بعد أن شكّلوا قيادة عامة للشعب الفلسطينى تمثلت فى (الهيئة العربية العليا) بزعامة الحاج (أمين الحسينى) فى: إيقاف الهجرة اليهودية فورًا إلى أرض فلسطين؛ حظر نقل ملكية الأراضى العربية إلى اليهود؛ إقامة حكومة وطنية ديمقراطية تكون الأكثرية فيها للعرب تبعًا لأغلبيتهم العددية.

لكنْ للعنجهية الإنجليزية المعروفة قوبلتْ هذه المطالب التى صاحبتها التظاهرات والإضرابات والعصيان المدنى بمزيد من القمع والاعتقالات وتفجير منازل الثوار، فكان الرد من جانب الثوار بعمليات نوعية فى القدس، بمعدل (50) عملية فى اليوم الواحد، استهدفت قوات الإنجليز ومنشآتهم ودورياتهم ومراكزهم الشُرطية.. وانتهت الأحداث بعد ستة أشهر بهدنة إثر نداء وجهه ملوك وأمراء عرب ووعود بريطانية بتحقيق مطالب الثوار، اتضح فيما بعد أنها كانت لصالح اليهود والإنجليز الذين لم يفوا بتعهداتهم.

استمرت الهدنة لمدة عام تقريبًا (من أكتوبر 1936 حتى سبتمبر 1937) إذ عاود الثوار الثورة، وبدأوا باغتيال حاكم لواء الجليل فى 26 سبتمبر 1937، فقامت بريطانيا بحل اللجنة العربية العليا ونفى أفرادها (إلى سيشل)، وتوسّعت فى الاعتقالات والقمع بدرجة غير مسبوقة، وأصدرت الأحكام العرفية… فتوسّع فى المقابل نطاق الثورة حتى أشعلت كل أرض فلسطين، سيطر الثوار بعدها على العديد من المدن والقرى وأخضعوا لها إداراتها ومحاكمها التى حاكموا فيها الجواسيس وسماسرة بيع الأراضى.

وإزاء انهيار قوات بريطانيا أمام ضربات الثوار، وصف وزير المستعمرات البريطانى فلسطين بأنها (أصعب بلد فى العالم)، فأُرسلت لذلك التعزيزات العسكرية وأفضل قواد الجيش لإعادة احتلال فلسطين. كان المجاهدون قد استطاعوا فى الفترة من سبتمبر عام 1937 حتى سبتمبر 1939 تنفيذ نحو (8000) عملية مسلحة بلغت حصيلتها: مقتل (500) من اليهود، (1800) من الإنجليز، غير الخسائر المادية لدى المحتلّ الإنجليزى  والتى قُدِّرت بعشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية.

وعلى الرغم من أن الإنجليز قد سخّروا أفضل إمكانات جيشهم، وهو أقوى جيش فى العالم إذ ذاك، للقضاء على هذه الثورة، مستخدمين جميع وسائل البطش والدمار والعقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، وقد اقتحموا مدنها وقراها جميعًا وعاثوا فيها فسادًا… على الرغم من كل ذلك فإنهم لم ينجحوا فى هذه المهمة تمامًا، ومن أجل تهدئة الثوار، الذين أرهقتهم أيضًا سنوات الحرب والمطاردة، أصدروا فى مايو 1939: (الكتاب الأبيض) الذى وعدوا فيه باستقلال فلسطين خلال عشر سنوات، وإيقاف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات، ووضع قيود على انتقال الأراضى لليهود.. فهدأت الأمور إلى حد كبير.

توقفت ثورة 1936على الأرض فعليًّا فى أغسطس 1939، لكنها لم تنطفئ أبدًا فى قلوب الشعب الفلسطينى، بل كما كانت هى مرحلة من مراحل ثورة القسّام التى استهدفت الاستيطان اليهودى بالأساس، فإنها أسست لثورات أعظم أطلقها أبناء هذا القائد الهُمام وعاصرتها الأجيال الحالية.

لقد وُلدت انتفاضة 1987، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وجناحها العسكرى (كتائب القسام)، الذين يدافعون عن شرف الأمة الآن ويحملون راية الجهاد على أرض الرباط.. وُلدوا جميعًا من رحم هذه الثورة المباركة، وعلى خطاها جاهد واستُشهد ياسين والرنتيسى وغيرهما الآلاف.

وسجلتْ هذه الثورة أطول إضراب يقوم به شعبٌ فى التاريخ، استمر (178) يومًا، ولولا قوة المحتل وشراسته ومساندة اليهود له وما يلقونه من دعم دولى غير محدود، ولولا التآمر المحلى والعربى.. لتحررت كل أرض فلسطين.

Please follow and like us:
عامر شماخ
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *