علي بركات يكتب: غزه.. قلب فلسطين المتقد وحرب المصير (2)
الجغرافيا العربية مهدده في أمنها ووجودها منذ نشأت الكيان.!
في الواقع لم تكن الجغرافيا العربية مهدده في أمنها ووجودها على مر التاريخ مثل هذه الحقبة، فحاضر الأمه العربية منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي في القلب منه، أضحى كالنهر الجاري الذي تحول بفعل إلقاء القاذورات فيه إلي مستنقع مشوش آسن، فَسَدَ ماؤه، فكانت المواجهة هي الامر الحتمي، وإذا تسائلنا عن المعيار الحقيقي الذي يحسم عملية الصراع بين متصارعين، فالقوه هي التي تلبس الصراع مقدمات ونتائج النصر، القوة التي «لا» تعتمد في جوهرها على الاسباب المادية فقط !، بل تحرس على تبنى ميكانيزمات عسكرية ترهق توقعات العدو الصائل، فتغدو اليد التي تضرب والكف التي تأخذ برمح العقيدة، لأن البدايات في الغالب هي التي تصنع النهايات، والصمت على الاستبداد يتولد عنه مزيدًا من الاستبداد.!
طوفان الأقصى قفزة استباقيه ضد مشروع صفقة القرن.!
السابع من أكتوبر يوم تأريخي، لحرب المصير إذا جاز لنا التوصيف، وجاء من منطلق «افعل ما تراه دائمًا ضروري لحماية الأرض»، ووفق معلومات بلغت مبلغ التواتر أن مشروع «صفقة القرن» كان سيجري على القدم والساق في العام الجاري ٢٠٢٤، لذا سارعت المقاومة بخطوات استباقية وعلى غير المتوقع، أربكت التنظيمات الإستراتيجية التي أعدها الكيان الإسرائيلي بالتنسيق مع حلفائه الغربيين، وبدون مواربة مع النظم المتحكمة في دول الطوق!،
تلك الخطوة المفاجئة ليوم السابع من أكتوبر تشرين أول أعادة التقييم العسكري للقوه المادية لجيش الاحتلال، وأظهرت أوجه الضعف على المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية، كما عرت القيم الغربية.
حرب السابع من أكتوبر الاختبار الحقيقي لقدرات اسرائيل العسكرية.!
في رسمي أن حرب السابع من أكتوبر تشرين أول ليست حرب مصير لأهل فلسطين وحسب، بل للمنطقة العربية برمتها، وفى مقدمتها دول الطوق المتاخمة جغرافيًا لفلسطين، فهي لم تفضح الوهن العسكري للمحتل الصائل فقط، بل كشفت للجميع أن جيش الاحتلال لم يُختبر من مواجهة عسكرية بالفعل من قبل السابع من أكتوبر تشرين أول!، وأن حروب القرن المنصرم ما كانت سوى «مسرحيه مُمَسرحه» إذا جاز لنا التعبير كما أسلفنا في الجزء الأول من المقال، لذا هي في تقديري المتواضع معركة الصبر والنفس الطويل، برغم تعاضد الغرب ومساندته للكيان الإسرائيلي على كل المستويات، وعكس ذلك لم يكن في الحسبان.
اميركا الدولة الوازنة والحليف الأكبر والدعم في ظل اقتراب الانتخابات.!
في مثل هذا المقام لا يفوت قلمنا او ان يغفل الحديث عن الولايات المتحدة الامريكية، الدولة الوازنة والحليف الأكبر لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لحسن حظ المقاومة في غزه، وسوء حظ نتنياهو ووزير دفاعه، أن الرئيس بايدن سيضطر لخفض سقف الدعم حرصًا على صورته أمام شعبه ومسلمي الولايات الامريكية لحماية مستقبلة السياسي، «التي بدت صوره في إلقاء اللوم على نظام القاهرة فيما يتعلق بغلق معبر رفح»، ليتسنى له جني أصوات تحقق له الصعود لفترة رئاسية ثانيه، في وجود منافس له قوي ذو حضور جماهيري مثل رونالد ترامب، ولأن سوء الظن هو الغالب حال التعامل مع البيت الأبيض، فقد تعمد إدارة الرئيس بايدن في الخفاء لتحريك النُظم الكرتونية العربية ذات «البأس الضعيف» لتقف الحؤول دون تقدم المقاومة في غزه!، لذا ليكن الصبر الميكانزم الهام والعنوان الأبرز في هذه الملحمة المصيرية.
الخلل المعياري الذي تعتمده تل ابيب في التعاطي مع المشهد.!
المشهد على أرض الواقع أثبت بالتواتر الخلل المعياري الذي تعتمده «تل أبيب» في التعاطي مع المشهد الراهن في غزه، على المستويين السياسي والعسكري، وكشفت النواقص التكتيكية للعقلية التي تدير في السر والعلن، متمثلة في رئيس وزراء الكيان ووزير دفاعه، كان له مردوده السلبي أقل ما يُقال عنه إرباك الداخل الإسرائيلي رغم محاولات التعتيم على حقيقة مسار الحرب في غزه، ويعود فشل محاولات التعتيم تلك، لطبيعة إدارة الحرب من قِبَل المقاومة الفلسطينية التي اعتمدت التصوير المباشر للعمليات العسكرية، ويُعد هذا الميكانزم فريد من نوعه ولم يحدث من قبل، وله أبعاده النفسية على الداخل الإسرائيلي.
السيناريو المتوقع لإنقاذ رئيس الوزراء إسرائيلي وجيشه.!
في ظل تراجع جماهيرية رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي لعجزه عن حسم المعركة، رغم تفوق الآلة العسكرية لجيش الاحتلال، وفى ظل دعم هائل على أعلى المستويات من دول المركز، قد يتم الاتفاق على سيناريو «مُتَوقّع» بين دول الطوق، وفى مقدمتهم الدولة المصرية، وستكون سيناء المسرح التي يتغلب فيه الجيش الإسرائيلي على جيوش دول الطوق مجتمعة، أو أحدهم منفردًا، وهذا أقرب للحدوث، ثم يسربلوا ذلك بسربال من العسكرية المعادية لإسرائيل!، لتكون نتيجة هذه المسرحية استعادة جيش الاحتلال لهيبته أمام «المستوطن» الإسرائيلي، وتَرُد لنتنياهو شعبيته التي تآكلت خلال شهور الحرب منذ السابع من أكتوبر.
وفق تشوف الجنرال العسكري الفيتنامي الراحل «جياب بان» الذي يرى أن الإستراتيجي الجيد هو مَنْ يخطط بعقل الجبان وينفذ بقلب الشجاع، أعتقد أن المقاومة لديها من المفاجئات والأوراق التي تأجلها لحينها، لأنها تعلم أنها حرب المصير.