مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: الرسائل الخطيرة لقطع الكهرباء في مصر

قطع الكهرباء في مصر له مخاطر عدة، سواء على المواطن أو الاقتصاد وأنشطته المختلفة ومناخ الاستثمار، وحصيلة الصادرات التي تراهن الحكومة على إحداث قفزة بها بهدف تدبير النقد الأجنبي اللازم لتمويل الواردات، وسداد أعباء الديون الخارجية ودعم استقرار سوق الصرف والحد من أزمة ندرة الدولار.

لكن أخطر تلك الرسائل هي المتعلقة بقطع التيار عن مشروعات الإنتاج والتصدير والأنشطة الصناعية ومعامل تربية الدواجن والثروة الحيوانية وغيرها، وأكاد أجزم أن قطع الكهرباء قد تعادل خطورته مخاطر أخرى أكبر وأكثر فداحة، منها انتعاش السوق السوداء للعملة وأزمة النقد الأجنبي وندرة الدولار، وهي الأزمات التي تجعل المستثمرين الأجانب وأصحاب الأموال الساخنة يعزفون عن دخول أي دولة وضخ استثمارات فيها.

بل قد يفوق قطع التيار في الخطورة المخاطر التي تهدد الاستثمار في أي دولة ومنها زيادة كلفة الإنتاج وتفشي البيروقراطية والرشى داخل المؤسسات العامة والفساد الإداري والاحتكارات داخل الدولة.

ذلك لأن المستثمر قد يجيد التعامل مع المخاطر الأخيرة، ويضعها ضمن حساباته عند تأسيس المشروع وإعداد بنود المصروفات الإضافية، لكن من الصعب على المستثمر الأجنبي تقبل فكرة الاستثمار في دولة تشهد انقطاعات في التيار الكهربائي وندرة مصادر الطاقة، فما بالك لو كان قطع التيار الكهربائي يجتمع مع أزمات أخرى، منها زيادة سعر الوقود والضرائب والرسوم الحكومية، وصعوبة تدبير النقد الأجنبي لاستيراد المواد الخام والسلع الوسيطة ومدخلات الإنتاج وعدم توفر العمالة الماهرة والمدربة؟

نعم، قطع الكهرباء ثلاث ساعات يومياً له تأثيرات خطيرة على الأحوال المعيشة للمصريين، وعلى تسيير أمور حياتهم اليومية، وحتى على إدارة أمورهم المالية والتجارية والاستثمارية البسيطة، وكم رأينا مواطنين يلقون حتفهم وهم داخل المصاعد، أو وهم يحاولون إنقاذ أناس علقوا داخلها، لكن لانقطاع الكهرباء تأثيرات أخرى خطيرة على القطاعات والأنشطة الاقتصادية، وخطط جذب استثمارات عربية وأجنبية جديدة، وإقناع مستثمرين جدد بتبني فرص استثمار واعدة تعتمد بشكل كبير على الطاقة، ومنها الكهرباء والغاز ومشتقات الوقود الأخرى مثل البنزين والسولار والمازوت.

زيادة الإنتاج وفتح مزيد من المصانع وإعادة هيكلة آلاف المصانع المتعثرة في مصر باتت ضرورة قصوى في الوقت الحالي، فذلك من ناحية يرفع قيمة الصادرات الخارجية التي تصنف مصدراً للنقد الأجنبي الأول في البلاد، ومن ناحية، يلبي احتياجات الأسواق المحلية من السلع والمنتجات، وبالتالي يهدئ موجة التضخم ويكبح الغلاء، ومن ناحية ثالثة، فإن فتح مزيد من المصانع والمشروعات المختلفة يوفر فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل، ما يدعم الاستقرار الاجتماعي. ومن ناحية أهم، يوفر مليارات الدولارات التي تُستنزف سنوياً لاستيراد منتجات وسلع رديئة من الصين وغيرها من أسواق العالم.

قطع التيار الكهربائي أزمة اقتصادية ومجتمعية ونفسية كبيرة، لا يتوقف أثرها على المواطن الذي من حقه الحصول على خدمة جيدة ما دام يدفع سعرها، وقبلها يدفع الضرائب التي يُوجه جزء من أموالها لدعم الكهرباء ورغيف الخبز والوقود والسلع التموينية.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى