أحمد ذيبان يكتب: ديمقراطية الملالي
يعتبر نظام الملالي الذي يحكم إيران منذ عام 1979 حالة شاذة بين أنظمة الحكم في العالم، فنحن أمام نظام ثيوقراطي بوليسي يقوم على مبدأ «ولاية الفقيه»، حيث يمسك المرشد الأعلى بمفاصل الدولة، رغم وجود مؤسسات رسمية لكنها جميعا خاضعة لهيمنة المرشد فهو الحاكم المطلق!
ومع تراكم التجارب كانت مصداقية هذا النظام تتراجع «خطوة خطوة» أمام الشعب الايراني، بعد أن كان الكثيرون يصفقون لثورة الخميني التي حدثت عام 1979، حتى بعض العرب وبعضهم من اليسار كانوا مبهورين بهذا النظام، الذي رفع شعارات زائفة ثبت مع الوقت أنه استخدمها للتضليل والخداع، وأهم الشعارات التي استثمر فيها سياسيا، تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبينها تشكيل «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الايراني، وهو في الحقيقة كلف بأعمال تخريب السلم الأهلي وتعميق الانقسامات الطائفية في بعض الدول العربية، ثم تشكيل ما يسمى «محور المقاومة» ضد دولة الاحتلال الصهيوني، الذي يتشكل من ميليشيات طائفية، تنتشر في العديد من الدول العربية المشرقية، ارتكبت داخل بلدانها مجازر وحشية وعبثت بأمنها واستقرارها وشلت الحياة السياسية فيها.
أما بالنسبة لعلاقات النظام الايراني الخارجية، فهي ذات شقين الأول أن الدول يهمها مصالحها بالدرجة الاولى وخاصة الاقتصادية، ولا يعنيها الوضع الداخلي لأي دولة تقيم معها علاقات سياسية ودبلوماسية وتعاون اقتصادي، والشق الثاني أن النظام الايراني يستخدم أدواته من الميليشيات التي يسلحها ويمولها في العديد من الدول العربية، لتحقيق مصالحه السياسية والأمنية وتخريب الأوضاع الداخلية في تلك الدول!
لكن هذا النظام الذي يعتمد في استمراره على الحرس الثوري والاجهزة الامنية الأخرى ، بدأت صورته تنهار في السنوات الاخيرة بسبب ما نتج عن سياساته الداخلية، من أزمات اقتصادية ومعيشية وتفاقم نسبة البطالة وتفشي الفساد، والتي عبرت عنها الاحتجاجات المتواصلة المناهضة للنظام منذ عام 2018، فضلا عن عمليات القمع وملاحقة المعارضين والاعتقالات السياسية وتعذيب السجناء، وإصدار أحكام الاعدام والسجن لكل من ينتقد سياسات النظام، وفي مقدمة القوى التي تتعرض للملاحقة والتنكيل منظمة «مجاهدي خلق» أهم القوى المعارضة للنظام.
وجاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة «مجلس الشورى» التي أجريت في إيران يوم 1 مارس، رغم محدودية صلاحية البرلمان الذي يهيمن عليه المرشد الأعلى، لتكشف المزيد من تآكل شرعية المؤسسة الدينية التي يعتمد عليها نظام «ولاية الفقيه»! حيث بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 40 في المئة، وهي أقل نسبة مشاركة منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979، وكانت قد بلغت نسبة المشاركة 62 في المئة عام 2016، و42.5 بالمئة عام 2020.
وجاء تدني نسبة المشاركة رغم حملة الترويج الواسعة التي قامت بها سلطات النظام، بضمنها تكليف خطباء المساجد في صلوات الجمعة لحض الناخبين على المشاركة، واعتبارها واجبا دينيا وعدم المشاركة فيها «خطيئة كبرى»! واجبار العسكريين على التصويت في الثكنات، والضغط على السجناء للتصويت، مع عدم استبعاد احتمال تزوير النتائج!
حتى المعتدلون أو ما يسمون بالإصلاحيين لم يشاركوا في الانتخابات الاخيرة، وأبرزهم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وبقيت المنافسة محصورة بين المتشددين والمحافظين الهامشيين، وكان لافتا منع حسن روحاني الذي انتخب رئيسا لإيران لدورتين متتاليتين عامي 2013 و2017، من الترشح لمجلس صيانة الدستور الذي يتمتع بتأثير واسع لكونه يقوم باختيار المرشد الأعلى، والطريف أن المرشد علي خامنئي اتهم «أعداء» إيران بمحاولة بث الاحباط واليأس بين الناخبين الايرانيين، وهي اسطوانة مشروخة يستخدمها النظام لتبرير فشله!