ارتقى القائد يحيى السنوار شهيدا بعد أن سار على دروبها مقاوما وأسيرا، وقائدا مشتبكا ليتوج مسيرته الحافلة بالشهادة في سبيل الله، نهاية تليق بمن أفنى عمره كله في مقارعة العدو، ملتحقا بقافلة الشهداء على طريق القدس وفلسطين من قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة النضال الوطني الفلسطيني.
ما سرّ العصا التي ألقاها القائد الشهيد على مسيّرة العدو وهو في الرمق الأخير؟
ما رمزيتها ودلالتها؟
لماذا كانت تلك العصا العلامة الملفتة الأبرز في المشهدية الملحميّة والبطوليّة تلك؟
سأل ربنا تبارك وتعالى عبده ونبيه موسى عليه السلام: وما تلك بيمينك يا موسى؟
فأجاب: هي عصاي.
وعدد اغراضه منها: أتوكأ عليها، وأهش بها على غنمي، ثم أبقى الأمر مفتوحا لاحتمالات واستعمالات متعددة، قال: ولي فيها مآرب أخرى.
ما هي مآرب القائد الشهيد السنوار في عصاه ومنها؟
لقد توكأ عليها بعد أن أثخنته الجراح، بعد يوم كامل من الاشتباك مع جنود العدو، وبقائه وحيدا بعيدا عن الذين كانوا برفقته تحت ضغط وإكراهات المواجهة المباشرة والاشتباك العنيف في الميدان.
يوم كامل من القتال المستمر دون طعام أو شراب ولا إمداد في بيت محاصر مهجور.
ليتلقى بعدها قذيفة دبابة أولى، ثم تتابعه بعدها طائرة الدرون -عين العدو للتفحص والاستكشاف- ليعرفوا مَن هذا المقاتل العنيد الذي قاتلهم مشتبكا لأكثر من يوم كامل دون هوادة ، ليظهر بيد مصابة معصوبة، وجسم منهك، ولثام مهيب، ولكن بعزيمة فولاذية لا تعرف الوهن، وإرادة متّقدة لا تعرف الخور، ونظرة حادّة ثاقبة، بعد كل هذه البطولة وهذا الثبات ، لم يعد في حوزته إلا عصاه، تربص بالمسيرة اللعينة -عين العدو- ليستجمع قواه أو ما تبقى منها ويلقى عليها عصاه، وهي غاية مقدوره ومستطاعه.
عندما لحق فرعون وجنوده بموسى ومَن معه، قالوا: إنا لمدركون، قال بلهجة الواثق: كلا، إن معي ربي سيهدين.
ولما انقطعت الأسباب وتوارت الحلول ولاحقهم ظلم الطاغية فرعون وبطشه ووصل إليهم أو كاد، أمر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يستعمل عصاه، ليضرب بها البحر.. في هذا الموقف الرهيب والمشهد العصيب ماذا ستؤثر العصا بالبحر؟!
وما جدوى استعمالها؟
وهل هي قادرة على تغيير مجرى الأحداث؟
بالرغم من كل هذه التساؤلات ووصول المشهد الى ذروة التأزيم جاء الحل عبر تلك العصا وضربتها بالفعل، وكأن بها سبب النجاة الوحيد، وفتح أبواب الفرج الأكيد، ونهاية العدو والظلم والاستكبار المحتوم.
أما إلقاء السنوار لعصاه فقد عبّرت عن انسداد الحلول، وحيلة المقاوم العنيد، وثقة أصحاب القضية العادلة، ويقين النصر على العدو مهما بلغ من قوة وقدرة وصلف وبطش واستكبار.
يا سنوار: اضرب بعصاك العدو، سيتصدع بنيان كيانه، سيحل عليه الرجز والغضب، وستحل عليه لعنة العقد الثامن الموعود.
لقد غرق الطاغية فرعون بسبب ضربة العصا وهو في وسط جنوده، فجاءت نهايته مفاجئة سريعة، وبطريقة لم يتوقعها أحد، وتفكك نظامه، وانهار ملكه بلحظات أحكم عليه القدر أنيابه.
فرعون بعد أن طغى طغيانه الأكبر فقال: أنا ربكم الأعلى. نتياهو قال: سنهزمهم حتى لو كان الله معهم.
تسببت عصا موسى عليه السلام بهلاك الطاغية وزوال الطغيان، وستفعل عصا السنوار فعلها بهلاك نتنياهو وزوال الكيان.
عصا موسى عليه السلام تسببت بنجاة المؤمنين المستضعفين.
وعصا السنوار – التي ترمز الى المقاومة – صدّعت كيان العدو ستكون سبب النجاة للمستضعفين والمحاصرين من أهل غزة.
عصا موسى عليه السلام أدخلت الطاغية فرعون وجنوده وسط البحر ليطبق عليهم ويجتاحهم سيله، ويغرقه بلجته.
وعصا السنوار وطوفانه سيغرق هذا الكيان المجرم وقد اجتاحه وعصف بجيشه وأمنه واقتصاده وهزّ أركانه، وسيكون سبباً بسقوطه وزواله بإذن الله الجبار.
عصا القائد السنوار كعصا موسى عليه السلام وما تحمل من مزيّات ودلالات وتشابهات وما ستصل إليه من نتائج ومآلات، ليست نابعة من تعلّق بموازين القوى ومعطيات التحليلات السياسية والاستراتيجية. ولكنها بتجرد نابعة من ثبات الصالحين، وصبر المؤمنين. ويقين المتقين.
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (51: سورة غافر)