د. وليد عبد الحي يكتب: الرهان العسير في المنطقة
إن الحراك الدبلوماسي المتزايد أمريكيا وأوروبيا وعربيا يشير إلى أن العراك يدور حول نقطة محددة نَبَّهتُ لها من أول أيام المعركة وفي المقالات الأخيرة الخاصة بالتكتيك الإسرائيلي في التفاوض من خلال «التجزئة» للموضوع والأطراف والزمن، وفي اللحظة الحالية يبدو أن الضغط يتجه تماما نحو «فصل مسار غزة عن لبنان، يليه المسار اليمني فالعراقي» ثم عدم التزامن بين غزة ولبنان في أي اتفاق، ومن الواضح أن الدول الغربية والدول العربية بشكل عام والحكومة اللبنانية تريد وتعمل لإنجاز ذلك.
بالمقابل فإن موقف محور المقاومة اتخذ موقف ضبابي ومبهم من هذه النقطة،
وهو ما يستحق التأمل وطرح بعض التساؤلات:
أولا: نحن نعلم أن الأمين العام السابق للمقاومة اللبنانية قطع وعدا لا ضبابية فيه بأن وقف إطلاق النار في غزة شرط مسبق لوقفه في لبنان (وكرر ذلك في مناسبات مختلفة)،
وخطاب الأمين العام الجديد تضمن عبارة محددة وهي أن المقاومة ملتزمة «بخطة» الأمين العام السابق،
وأشار الأمين الجديد حرفيا إلى «أن برنامج عمله الذي يتبناه هو الاستمرار في برنامج الأمين العام السابق وخطة الحرب التي وضعها مع قيادة المقاومة»، ولكنه امتنع عن الدخول في التفاصيل.
ثانيا: يرد تعبير وقف إطلاق النار في أغلب ادبيات وبيانات المقاومة اللبنانية دون تحديد جغرافي لمنطقة سريانه،
مما يخلق نوعا من التساؤل المنطوي على هواجس،
رغم أن الأمين العام الجديد استهل خطابه الأول في النقطة الأولى بالحديث عن مساندة غزة.
ثالثا: من الواضح ان الضغط العسكري الإسرائيلي على المدنيين في لبنان يستهدف تأجيج الجبهة الداخلية لتنمية الضغوط على المقاومة للقبول بفصل مسار غزة عن لبنان،
لكن ضغوط المقاومة أيضا تفعل فعلها في الجبهة الداخلية الإسرائيلية (وطبقا لبيانات وتصريحات من جهات إسرائيلية متعددة).
الخلاصة:
يبدو أن استراتيجية المقاومة للتفاوض غير المباشر هي السعي لتحميل فشل محتمل بقوة للاتفاق على وقف إطلاق النار في لبنان للطرف الإسرائيلي بخاصة أن الأمين العام الجديد للمقاومة أشار بشكل واضح أن كل ما يجري من أحاديث حول مبادرات واتفاقات ليس إلا «طحن في كركعة» (أي مجرد صخب فارغ).
ذلك يعني أن هناك احتمالين:
الأول إن المحور ملتزم بالمساندة لغزة حربا او سلما، ولكنه لا يريد الظهور بمظهر المعطل للوصول الى تسوية في لبنان،
ويبدو انه يراهن على تحقيق ضربات تدفع إسرائيل لمزيد من التصعيد في الجبهة والتعنت في المفاوضات، وبالتالي تحميلها مسؤولية ما يجري،
بخاصة ان سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكم مؤهلة لذلك، كما أن صورة نيتنياهو لدى المجتمع الدولي ولدى الإدارة الامريكية هي صورة «العناد والغطرسة»،
وقد مارست المقاومة في غزة بعضا من هذه التكتيكات بخاصة في المراحل الأخيرة ونجحت بقدر ما.
اما الاحتمال الثاني؛
فهو ان يكون الحزب في مرحلة تحول بعد عبء الضربات على رأسه وجسده، وبعد تدني احتمالات التصعيد بين إيران وإسرائيل بعض الشيء رغم استمرار التهديدات المتبادلة بينهما،
وفي حالة قبوله بفصل المسارات وتفكيك وحدة الساحات فان نتائج الضربات التي تعرض لها ستكون أعمق غورا وايلاما في داخلة وفي رصيده الشعبي المحلي والإقليمي.
ويبدو ان كل متابع للمشهد المحلي والإقليمي والدولي قادر على التقاط مؤشرات ترجح كل من الاحتمالين، مما يزيد الرهان على أحدهما عسرا،
فموازين القوى بالمعنى المادي ثقيلة الوطأة على المحور، لكن إرادة القتال والتكتيكات المتبعة في إدارة المعركة في كل جبهات المحور توحي بأن المعركة لا تدور وفق 50% من توقعات القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية وهو ما أشار له فيض من افراد النخبة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
ويبدو ان الإدارة الامريكية القائمة (بايدن – هاريس) تسعى لتحقيق انفراج مؤقت لعل ذلك يساهم في تحسين موقعها في المنافسة الانتخابية، ونظرا للتقارب الشديد في مستويات التأييد للمرشحين للرئاسة،
فإن تحقيق ادنى نجاح قد يكون له تأثير هام، مما يعني ان المماطلة من طرفي الصراع ستستمر الى حين جلاء غبار النزال الانتخابي الأمريكي،
وقد نعود لمماحكات جديدة حول تفسير قرار 1701، وحول المناطق اللبنانية المحتلة (القرى اللبنانية)، وغير ذلك الكثير…
وأولها نصيحة مولتكة (قائد جيش بسمارك): كنت أتوقع ان يأتيني العدو من احدى الجهات الأربع لكنه كثيرا ما جاء من الجهة الخامسة (أي غير المتوقعة)..
ربما.